وأمّا إجابة السؤال الثّاني فتحتاج إلى بحوث ورسائل مستقلة، وقد كُتب فيها في القديم والحديث، ولكنْ لعل من اللازم هنا ذكر ومضات وخلاصات في هذا الشأن، وذلك في النقاط التالية.
أولاً: إنّ العقوبات المقررة في الإسلام تتلاءم مع المخالفات المرصودة لها، فيكون التخفيف فيما يقل ضرره وينحصر، والتشديد في المخالفات الخطرة، التي يؤدي التساهل فيها إلى انهيار الأخلاق، وفساد المجتمعات، ويتعدى ضررها إلى الأفراد والجماعات.
وهذا ما لا نجده في عقوبات الكتاب المقدس، حين يقرر -مثلاً- قتل من سبّ أحد والديه، أو تقرب للجان، أو يوجب قطع يد المرأة التي تمسك بعورة من يخاصم زوجها (?)!
ثانياً: إنّ الذي شرّع الحدود في الإسلام هو عالم الغيب والشّهادة، الخبير بمسالك النّفوس ودروبها، فجاءت لحكم عظيمة، منها الرّحمة بالمذنب حين يكون الحد كفّارة لما اقترف، والرحمة بالمجتمع حيث يسوده بتطبيق الحدود الأمن والبركة (?).
ثالثاً: الحدود في الإسلام محاطةٌ سلفاً بأسوار الوقاية، قبل أن تكون مُتبَعةً بأسواط العقوبة.
«وقاعدة التشريع التي لا تنخرم؛ أنّ الله سبحانه وتعالى إذا حرّم شيئاً حرّم الأسباب والدّوافع الموصلة إليه، سدّاً للذريعة، وكفّاً عن الوقوع في حمى الله ومحارمه، ليعيش في مجتمع مملوء بالإباء والشّمم، عن كافّة الرّذائل والطرائق الموصلة إليها» (?).
ففي الزنا -مثلاً- هناك وجوه من سدّ الذرائع، هي بمثابة الأحراز والحواجز بين المسلم والوصول لهذه الجريمة الأخلاقيّة؛ عدّ بعض المحققين منها عشرة أوجه (?).