أولُّ ما يرد به على هؤلاء أنّ الأمر في هذا الحديث على سبيل الإرشاد والاستحباب عند جمهور العلماء (?).

وأمّا اللعق ففيه حِكَم، لعل من أهمها تحصيل بركة الطّعام، وهذا جاء مبيّناً في روايات

أخرى، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإنّه لا يدري في أيِّ طعامه البركة) (?).

وفيه دفع للكبر الذي هو داء مهلك للعبد، ولذا جاءت الشّريعة بأسباب دفعه، وتحصيل خلق التّواضع الذي يرفع صاحبه عند الله.

وليس في اللعق شيء من الاستقذار، لأنّه يأتي عقب الفراغ من الطّعام، لا في أثنائه بحيث يعيد أصابعه في الطّعام وعليها أثر ريقه (?).

قال الخطّابي - رحمه الله -: «عاب قومٌ أفسدَ عقلَهم الترفُّه فزعموا أنَّ لعق الأصابع مستقبح، كأنهم لم يعلموا أنَّ الطعام الذي علق بالأصابع أو الصَّحفة جزءٌ من أجزاء ما أكلوه، وإذا لم يكن سائر أجزائه مستقذراً لم يكن الجزء اليسير منه مستقذراً، وليس في ذلك أكبر من مصه أصابعه بباطن شفتيه، ولا يشك عاقل في أنَّه لا بأس بذلك، فقد يمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه فيدلك أسنانه وباطن فمه ثم لم يقل أحد إنّ ذلك قذارة أو سوء أدب» (?).

وأمّا الإلعاق فالمقصود به -كما قاله شُرّاح الحديث- أن يكون لمن يقبل ذلك ولا يستقذره كزوجة وولد ونحو ذلك (?).

وخلاصة الأمر أنّ إرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بلعق الأصابع أو إلعاقها عقب الطّعام هو على سبيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015