المسألة الثانية: الرد المفصل، ويقال فيه ما يلي:

الأمر الأول: الحديث عن الأحرف القرآنيّة السّبعة يحتاج إلى شيء من التفصيل.

لقد نزل القرآنُ -أوّل ما نزل- على العرب، وكانوا أهل عصبيّة وجاهليّة، تعتز كل قبيلة بما تنفرد به، وتعد ذلك مفخرةً تراق لأجلها الدّماء.

وكان من جملة ذلك ما يتعلق باللغة من مفرداتٍ وأساليبِ أداء ونحو ذلك، مما يمكن إجمال الإشارة إليه باللهجة.

فكان من الحكمة أن يستوعب القرآن كلَّ هذه اللهجات، ليكون أدعى لقَبول أتباعها له، وأيسرَ عليهم في تلقيه وفهمه وحفظه. ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الحريص على رفع الحرج عن أمته- يستزيد ربّه من الأحرف حتّى بلغت سبعة (?).

لكنّ هذه التّوسعة لم تكن على حساب قداسة التشريع، بل كانت محصورة في الألفاظ دون المعاني والأحكام، مقيّدة بحدود ما أنزل الله، لا مجال فيها لاتباع الهوى (?).

وكانت الأمةُ مخيّرةً في القراءة بأي حرف من هذه الأحرف، لأنّ التنوع فيها هو في الألفاظ المستخدمة، مع وحدة المعنى والدلالة.

واستمر الحال إلى أن جاءَ عهدُ الخليفةِ الرّاشدِ عثمانُ بن عفّانَ - رضي الله عنه -، وكثرت الفتوحات، واتسعت رقعة البلاد الإسلاميّة، وكثر الدّاخلون في الإسلام من غير النّاطقين بالعربيّة حتّى ربما فاق عددهم العرب، وتفرّق القرّاء في الأمصار يعلمون النّاس القرآن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015