لهذه الأمة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، فقلت له: رب إذاً يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة، فقال: مُبتليك ومُبْتَلٍ بك ومنزل عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان، فابعث جنداً أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفِق ينفَق عليك) (?).
فأخبر تعالى أنَّ القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تُغسل بالماء، بل يقرؤوه في كل حال كما جاء في صفة أمته: "أناجيلهم في صدورهم"، وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه، لا في الكتب (?)، ولا يقرؤونه كله إلا نظراً لا عن ظهر قلب، ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لتصحيحه وبذلوا أنفسهم في إتقانه وتلقوه
من النبي - صلى الله عليه وسلم - حرفاً حرفاً، لم يُهملوا منه حركةً ولا سكوناً ولا إثباتاً ولا حذفاً، ولا دَخل عليهم في شيء منه شكٌّ ولا وهم، وكان منهم مَن حفظه كلَّه، ومنهم مَن حفظ أكثرَه، ومنهم مَن حفظ بعضَه، كلُّ ذلك في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -» (?).
وليست هذه الحقيقة محل قناعة المسلمين وحدهم، بل شاركهم فيها علماء ومفكرون من الملّة النصرانيّة وغيرها، وعلى الطّاعنين في القرآن من النّصارى تفسير هذا الأمر.
ومن أمثلة ذلك قول الفيلسوف الفرنسي إيرنست رينان (?): «إنّ الواقعة الحقيقيّة للتّاريخ القديم لهذا الإسلام، أي القرآن، تظل خارج كلِّ الشّبهات في البعد عن التّحريف» (?)؟!