منه هو من كمال التوحيد، فمن عرف ربًّا يلتجأ إليه، ويطلب الهداية منه، هل يقال: إنه متحير أو محتاج إلى النظر ليعرف ربه1؟ فهذا دليل عليهم لا لهم، وإنما أورد إبراهيم عليه السلام هذا الكلام في هذا المقام إرشاداً لقومه أن يطلبوا الهداية من الله، وتعريضاً بضلالهم في عبادة هذه الكواكب2، وتوجيهاً لهم بأن المستحق للعبادة هو الله وحده الذي تطلب منه الهداية، ثم إن فيها تنبيهاً بأن الله هو المتصرف في الكون وحده، وبيده تدبير كل شيء، والذي يؤكد هذا المعنى: التدرج الذي اتبعه إبراهيم في إثبات الحجة على قومه، فبين أولاً أن ما كان آفلاً لا يصلح للعبادة، وبين ثانياً تلميحاً أن من اتجه لهذه الكواكب كان ضالاً، وبين ثالثاً التصريح بأنهم على الشرك، والبراءة منهم بعد أن قامت الحجة عليهم وظهر الحق3.
أما قوله في الوجه الرابع: (أن قوم إبراهيم في الشمس: {هَذَا أَكْبَرُ} لا يليق بحالة المناظرة) : فالجواب عنه: أن إبراهيم عليه السلام كان يجادل ويناظر المنجمين وعباد الكواكب، ومذهب هؤلاء المنجمين أن الشمس هي رئيسة الكواكب في الفلك، وهي في العالم بمنزلة جرم القلب في البدن، وسائر أجرام الكواكب والأفلاك بمنزلة أعضاء البدن ومفاصل الجسد4، لذلك كانت مناسبة قوله: {هَذَا أَكْبَرُ} عظيمة، إذ به يلفت الانتباه إلى أن هذه الشمس وهي أكبر الأجرام –عندكم- منزلة وحجماً وضياءًا لا تصلح أن تكون إلهاً، فمن باب أولى ما دونها من