2- وقوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 1، قالوا: لم يخلقها الله ليستدل الناس بتركيبها على وجود الصانع، إذ إن هذا القدر حاصل في تركيب البقة والبعوضة، وفي حصول الحياة في بنية الحيوانات على وجود الصانع دلالة أقوى من دلالة تركيب الأجرام الفلكية على وجود الصانع، لأن الحياة لا يقدر عليها أحد إلا الله، أما تركيب الأجسام وتأليفها فقد يقدر على جنسه غير الله، فلما كان هذا النوع من الحكمة حاصلاً في غير الأفلاك، ثم إنه تعالى خصها بهذا التشريف وهو قوله: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} ، علما أن له تعالى في تخليقها أسراراً عالية، وحكماً بالغة، تتقاصر عقول البشر عن إدراكها2.
وقالوا: ويقرب من هذه الآية قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} 3، ولا يمكن أن يكون المراد أنه تعالى خلقها على وجه يمكن الاستدلال بها على وجود الصانع الحكيم، لأن كونها دالة على الافتقار إلى الصانع أمر ثابت لها لذاتها لأن كل متحيز محدث، وكل محدث فإنه مفتقر إلى الفاعل فثبت أن دلالة المتحيزات على وجود الفاعل أم ثابت لها لذواتها، وأعيانها4، وما كان كذلك لم يكن سبب الفعل والجعل، فلم يكن حمل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا