فإذا قيل لك: من ربك؟ 1؛ أي: من إلهك الذي خلقك ورباك ورزقك النعم لتستعين بها على عبادته وحده لا شريك له؟ والرب: هو المعبود المالك المتصرف، وله معان أخر، ولا يطلق معرفًا بالألف واللام إلَّا على الله تعالى.
فقل أيها العبد: ربي هو الذي أوجدني من العدم وربَّاني بالنعم وحده لا شريك له، وربى كذلك جميع العالمين بنعمه الظاهرة والباطنة، هو الذي أوجد العالم العلوي والسفلي من العدم، وهو مالكهم ورازقهم والمتصرف فيهم بما شاء.
ونعم الله كثيرة لا تحصى؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] .
والخلق مفطورون على معرفة خالقهم سبحانه، لا ينازع في ربوبيته ووجوده إلَّا مجنون أو مكابر معاند، وكل مخلوقاته وآياته -وإن دقت- دالة أعظم دلالة على وجود الخالق وعظمته وتفرده بالربوبية وحده لا شريك له ولا إله سواه.
والعالمون: جمع عالم، وهم كل ما سوى الله؛ فالوجود قسمان: رب ومربوب. فالرب: هو الله العظيم سبحانه، والمربوب: هو العالم. والمراد بهم جميع المخلوقات. وسمي العالم عالمًا؛ لأنه علامة واضحة دالة على صانعه وموجده جلَّ وعلا.
وهو -أي: الله تعالى - معبودي- أي: مألوهي - وحده، ليس لي معبود سواه؛ فكما أنه سبحانه المتفرد بالخلق والرزق والتدبير؛ فهو وحده المتفرد والمستحق بأن يعبد وحده دون من سواه، وهذا هو مدلول كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله.