. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الدين والدنيا الظاهرة والباطنة. فهذه الوسائل المتنوعة لا يكاد يرد دعاء من توسل بها؛ فلهذا دعا الله بعدها بالشفاء الذي لا يدع مرضا إلا أزاله.

وفي شهادة الرسول بالإيمان للجارية التي اعترفت بعلو الله ورسالة رسوله دليل على أن من أعظم أوصاف الباري الاعتراف بعلوه على خلقه ومباينته لهم، وأنه على العرش استوى، وأن هذا أصل الإيمان، وأن من أنكر علو الله المطلق من كل وجه فقد حرم هذا الإيمان. وقوله: «والعرش فوق ذلك، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه» فيه الجمع بين الإيمان بعلوه على عرشه وفوق مخلوقاته، وبإحاطة علمه بالموجودات كلها، وقد جمع بين الأمرين في عدة مواضع من كتابه.

هذان الحديثان دلا على أن أفضل الإيمان: مقام الإحسان والمراقبة، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وتعلم أن الله معك، لا تتكلم ولا تفعل ولا تتصرف إلا والله يراك ويشاهدك ويعلم درك وجهرك، وأن تلزم الأدب مع الله، خصوصا إذا دخلت في الصلاة التي هي أعظم صلة ومناجاة بين العبد وربه، فتخضع وتخشع وتعلم أنك واقف بين يدي الله، فتقلل من الحركات، ولا تسيء الأدب معه بالبصاق أمامك أو عن يمينك، فهذه المعية متى حصل للعبد استحضارها في كل أحواله لا سيما عباداته فإنها أعظم عون على المراقبة التي هي أعلى مراتب الإيمان، فيجمع العبد بين الإيمان بعلو الله واستحضار قربه، ولا منافاة بين الأمرين، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله.

وقد تواترت النصوص في رؤية الله لأهل الجنة، وأنهم يرون ربهم ويتمتعون بمشاهدته، وهي تدل على أمرين: على علوه على خلقه؛ لأنها صريحة في أنهم يرونه من فوقهم، وعلى أن أعظم النعيم نعيم النظر إلى وجهه الكريم. وحثه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على صلاة العصر وصلاة الفجر خصوصًا: فيه إشارة على أن من حافظ عليهما نال هذا النعيم الكامل الذي يصغر عنده كل نعيم، وهذا يدل على تأكدهما كما دل على ذلك الحديث الآخر: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر» . الحديث متفق عليه.

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فهذه الأمة وسط بين الأمم التي تميل إلى الغلو والإفراط، والأمم التي تميل إلى التفريط المهلك. فمن الأمم من غلا في المخلوقين وجعل لهم من صفات الخالق وحقوقه ما جعل، ومنهم من جفا الأنبياء وأتباعهم حتى قتلهم ورد دعوتهم، وهذه الأمة آمنت بكل رسول أرسله الله، واعتقدت رسالتهم، وعرفت مقاماتهم الرفيعة التي فضلهم الله بها، ولم يغلوا في أحد منهم، ومن الأمم من أحلت كل طيب خبيث، ومنهم من حرم الطيبات غلوًا ومجافاة. وهذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015