أطلقه ورد عليه نعمته، وإعادة الى رتبته وتوفى المأمون على عين البدندون من أرض الروم مما يلي طرسوس لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 218 وله تسعة وأربعون سنة ودفن بطرسوس فكانت خلافته عشرين سنة وخمسة أشهر وثمانية عشر يوما، وكان أبيض يعلوه صفرة أجنى طويل اللحية ضيق الجبين كاملا عالما، جوادا، عظيم العفو، كريم المقدرة، ميمون النقيبة، حسن التدبير، جليل الصنائع، لا تخدعه الأماني، ولا تجوز عليه الخدائع، علمه بما بعد عنه من ملكه كعلمه بما حضره، وربما حرك منه الغضب فعجل بالعقوبة واستوزر الفضل بن سهل، ثم أخاه الحسن بن سهل. فلما أظهر العجز عن الخدمة لعوارض من العلل، ولزم منزله، عدل المأمون الى استكتاب كتاب لعلمه بكتابتهم وجزالتهم، وأنه ليس في عصرهم من يوازيهم ولا يدانيهم، فاستوزرهم واحدا بعد واحد أولهم أحمد بن أبى خالد الأحول. وكان ينوب عن الحسن بن سهل لما تخلف في منزله، فلما دعاه المأمون الى أن يستوزره قال «يا أمير المؤمنين اجعل بيني وبين الناس منزلة يرجوني لها صديقي، ويخافني بها عدوى، فما بعد الغايات إلا الآفات» ثم أحمد بن يوسف، ثم أبا عباد ثابت بن يحيى، وعمرو ابن مسعدة بن صول. وكان يجرى مجراهم، ولا يعده كثير من الناس في الوزراء ثم استوزر بعد هؤلاء محمد بن يزداد بن سويد. وتوفى المأمون، وهو على وزارته، ولم يملك المأمون بعد الفضل بن سهل كتابه أمره لقيامه بالملك واضطلاعه به، ولم ير أحد أنه مفتقر الى وزير يشركه في تدبيره، ولم يكن يسمى بين يديه أحد من كتابه وزيرا، ولا يكاتب بذلك، فلأجل ذلك ترك كثير من الناس، أن يعد من ذكرنا في الوزراء، ورأيت من صنف كتابا