وبويع الرشيد هارون بن المهدي، ويكنى ابا جعفر وامه الخيزران أم أخيه الهادي في الوقت الّذي توفى فيه الهادي، وبايع لابنه محمد بن زبيدة بالعهد بعده ثم لعبد الله المأمون بعد محمد، وولاه الري وخراسان، وما اتصل بذلك، وأخذ عليهما العهود والمواثيق بالوفاء، وكتب عليهما بذلك كتابين علقهما في الكعبة، ثم بايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون، وجعل امر القاسم للمأمون إذا صار الأمر اليه، فان رأى إقراره أقره وإن رأى خلعه خلعه وتوفى بقرية يقال لها سناباذ من طوس من أرض خراسان يوم السبت لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة 193، وهو ابن أربع وأربعين سنة وأربعة أشهر، فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وستة عشر يوما.
وكان تام الخلقة جميلا، طويلا أبيض مسمنا، قد وخطه الشيب، له وفرة إذا حج حلقها.
وكان كامل الأخلاق سمحا شجاعا كثير الحج والجهاد، حج في خلافته ثماني حجج وغزا ثماني غزوات، وتسلط على الأمور بعد مدة من خلافته، فأفسد الصنائع، وأحب جمع الأموال واستوزر البرامكة يحيى بن خالد بن برمك وابنيه جعفر والفضل، ثم نكبهم في صفر سنة 187، وقتل جعفرا، وذلك لسبع عشرة سنة خلت من خلافته. ودفع خاتم الخلافة بعد إيقاعه بهم إلى على بن يقطين، وغلب عليه الفضل بن الربيع، وإسماعيل بن صبيح الى أن مات.
وكان صبيح أبو إسماعيل مولى عتاقة لسالم الأفطس، وسالم الأفطس مولى عتاقة لبني أمية واختلت أموره بعد البرامكة، وبان للناس قبح تدبيره وسوء سياسته.