ليس أمة من الأمم من الشريعيين وغيرهم ممن سلف وخلف إلا ولها تأريخ ترجع اليه وتعول عليه في أكثر أمورها ينقل ذلك خلف عن سلف وباق عن ماض إذ كان به تعرف الحوادث العظام، والكوائن الجسام، وما كان في الأزمان الماضية، والدهور الخالية، ولولا ضبط ذلك وتقييده لانقطعت الأخبار ودرست الآثار وجهلت الأنساب، ولذلك أخذ الإسكندر أهل مملكته بتقييد أيامه وحفظ تأريخه وسيره، لكيلا يضيع ما بان من أمره وحمد من سعيه، ولا يجهل كثرة من ناصب من الأعداء وقتل من الملوك، ووطئ من البلاد، وحوى من المملكة لعلمه بما يلحق كثيرا من الناس من التواني عن نقل الأخبار وتقييد السير والآثار، وإعراضهم عن ذلك إيثارا للدعة وميلا الى التخفيف. واحتذى فعله أردشير بن بابك لما قتل ملوك الطوائف واستوسقت له الأمور، وانقاد الناس الى طاعته، قام بضبط سيرته وعهوده وأيامه وحروبه، إلا أنه اطرح ما كان قبل ذلك وتناساه، لكي يكون الذكر لأيامه وسيرته، فضبط ذلك ضبطا شديدا الى يزدجرد بن شهريار آخر ملوكهم فكانت الأمم السالفة والأجيال الخالية والقرون الماضية تؤرخ الكوائن العظام والأحداث الكبار عندها، وتملك الملوك فمن أقر بالطوفان من الأمم كانوا يؤرخون به ثم أرخوا العام بتبلبل الألسن باقليم بابلى فاما المجوس فلإنكارهم كون الطوفان المستولى على جميع الأرض أرخوا بكيومرث