والثاني: أن من استوفى دينه يثبت للذي وفاه في ذمته ذلك القدر الذي وفاه إياه، وتبقى ذمة كل منهما مشغولة للآخر بقدر ذلك الدين، وإنما تمتنع المطالبة لعدم الفائدة؛ لأنه إذا طالب أحدهما الآخر بدينه طالبه الآخر بدينه، ولا تقع المقاصة بالدينين أبدًا.
وكلما تأمل المنصف هذا القول تبين له ضعفه، وكيف يقال إن الواجب على المديون غير ما فعله من وفاء دينه، وإن ذمة المديون اشتغلت بما لا يمكنه تفريغ ذمته منه أبدًا إلا أن يبرئه رب الدين من دينه وأنه إذا لم يبرئه فذمته مشغولة، فلو امتنع من الإبراء لا يكون له طريق إلى تفريغ ذمته، وكيف يقدم على الإبرام وقد قلتم: إنه إذا أبرأه من دينه فللمبرأ أن يطالب المبرئ بنظير ما أبرأه منه؛ لأنه بالإبراء سقط دينه وبقي دين المبرأ عليه، فله أن يطالبه به، فعلى هذا لا يقدم أحدهما على أن يبرئ صاحبه خوفًا من أن يطالبه بنظير ما أبرأه منه فتأمل قبح هذا اللازم، ولو كان الإبراء من الدين شرطًا في تفريغ ذمة المديون لبينه لنا الشارع، ولما لم يأت عن الشارع اشتراط الإبراء مع الوفاء في تفريغ الذمة علمنا أنه شرط باطل، وأن المديون لم تشتغل ذمته بغير وفاء الدين، وقد تقدم التنبيه على هذا المعنى في كتاب الوكالة.
قوله: (كذا لو تصادقا على أن لا دين ثم هلك الرهن يهلك بالدين لتوهم وجوب الدين بالتصادق على قيامه فتكون الجهة باقية بخلاف الإبراء).
هذه الصورة أبعد مما تقدم فإنه على تقدير أن يثبت بالاستيفاء دين في ذمة