الحاكم الذي وصل حكه إليه فهو لازم للمحكوم عليهما، فعدم جواز إبطاله للزومه للخصمين الذين حكماه ل لغيرهما، فإن القاضي المولى إنما يلزم حكمه لمن حكم عليهما، فكذا المحكم، وإذا كان حكمه صحيحاً لازماً في محل اجتهاد فلا يجوز إبطاله.
وقد يكون حكم المحكم هو الصواب ورأي الحاكم المولى الذي خالفه خطأ؛ إذ الكلام في مثل هذا، فكيف يجوز له إبطاله والحالة هذه لجاز له إبطال حكم الحاكم المولى بمثل هذا، ولجاء الحاكم الآخر أبطل هذا الإبطال وهلم جرا، وخلا الحكم والتحكيم من الفائدة.
وكون حكم الحاكم المولى لازماً لزوماً عاماً في محل الاجتهاد، إنما هو لصحته شرعاً لا لعموم ولايته، ألا ترى أنه لو خالف الدليل الشرعي لاستحق النقض ولا ينفعه عموم ولايته، فكذلك المحكم إذ لاقى حكمه محل اجتهاد نفذ ولا يضره قصور ولايته، فما خالف الدليل الشرعي لا حرمة له وإن حكم به من حكم، وما لم يخالفه نفذ إذا كان من حكم به له ولاية الحكم، وقد تقرر جواز التحكيم لولاية الخصمين المحكمين على أنفسهما فصار في حقهما بمنزلة المولى من الإمام، ولو لم يكن كذلك لخلا التحكيم من الفائدة، إذ لو كان نفاذه موقوفاً على حاكم مولى لكان المحكوم عليه يرفع قضيته إلى الحاكم المولى ليبطله، وتفوت فائدة الإلزام بمنزلة الذين قالوا: {إن أويتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا}، ويكون التحكيم بمنزلة البعث، فالقول بجواز التحكيم وعدم لزومه في غاية البعد، والقول بلزومه وجوزا نقضه تناقض،