قوله: (قال: إلا أن يأذن القاضي في الاستدانة عليه؛ لأن القاضي له ولاية عامة فصار إذنه كأمر الغائب، فيصير دينًا في ذمته فلا تسقط بمضي المدة).
قد تقدم الكلام في ذلك وأن القاضي ليس له ولاية الإيجاب وعدمه، وإذا كان حكم نفقة القريب السقوط بمضي الزمان، وأنه لسد الحاجة وقد استدت فلا تصير دينًا على الغائب بتصيير القاضي، ولا يلزم من عموم ولاية القاضي إيجاب ما لم يجب؛ ولهذا اضطربت أقوال المشايخ في صيرورة نفقة القريب دينًا بفرض القاضي، فمنهم من قال: إنما تصير دينًا إذا أذن القاضي لهم في الاستدانة، واستدانوا حتى احتاجوا إلى وفاء الدين، أما إذا لم يستدينوا بل أكلوا من الصدقة لا تصير النفقة دينًا.
وإلى هذا مال السرخسي رحمه الله وحكم به كثير من المتأخرين ونصروه وقيدوا إطلاق "صاحب الهداية" به، ومنهم من قال: إنما تصير دينًا إذا كانت المدة قصيرة، أما إذا طالت المدة فلا تصير دينًا وفصلوا بين المدة القصيرة والطويلة بشهر، ولكن مدار هذا التفريغ كله على أن قضاء القاضي يؤثر في الإلزام بنفقة ما مضى من الزمان للقريب، فإذا تبين أنه لا تأثير له في ذلك بطل هذا التفريع كله والله أعلم.