ورغم هذا فإن ابن بشير رمي بالتحامل والتعسف في انتقاده للخمي. فقد ورد في طبقات المالكية لمجهول: "وكان بينه وبين أبي الحسن اللخمي قرابة وتعقبه في كثير من المسائل، ورد عليه اختياراته الواضحة في التبصرة وتحامل عليه في كثير منها، قال ابن ناجي: كان بعض من لقيته يقول: تعسف ابن بشير هنا كعادته معه في كثير من المسائل، وتعسفه عليه بين لمن وقف على كتابه التنبيه" (?) والحق أن المطلع على كتاب التنبيه يلاحظ أن ابن بشير انبرى للرد على تخريجات واختيارات اللخمي، ويلاحظ أنه خص أقواله واختياراته باهتمام زائد على غيره. ومرد ذلك في رأيي؛ جنوح اللخمي الواضح إلى كثرة التخريج، والترجيح، والنقد، والاستقراء، والاختيار على وجه اعتبره النقاد غير متقيد بالمسالك والتقريرات المذهبية في ذلك (?). فنتج عن منحاه هذا، تكون مادة فقهية غزيرة متميزة عن سابقاتها، جديرة بالاهتمام، والتتبع، والتمحيص والتدقيق. فكان الأليق أن يقوم بذلك واحد من أبناء مدرسة اللخمي النقدية.
ومهما يكن من أمر فإن ابن بشير لم يخرج في انتقاده للخمي عن إطار الأخلاق والآداب العلمية، وإن لوحظت صرامة، وشدة اقتضتهما المباحثة والاعتراض مما يدخل في مجال نقد النقد.
وتأكيدًا لما سبق أذكر بعض الأمثلة التي انتصر فيها ابن بشير للخمي، وأشاد فيها برأيه ليتأكد بطلان ما قيل من تحامله وتعسفه عليه.
المثال الأول: قال في باب حكم المسبوق وقضائه بعد إكمال إمامه: "لكن هذه المسألة نزلت قديما، فطال بحثنا عن روايات المذهب فيها،