سائر ما يصاد وسائر الرُّهام الذي لا يُصاد، لأن ذلك كله ليس من سباع الطير؛ وإنما الصافر في هذا المثل: الصفرد، وهو طائر من خشاش الطير يعلق نفسه من الشجر ويصفر طول ليلته خوفاً من أن ينام فيسقط، فضرب به المثل في الجبن. وذكر ابن الأعرابي - رحمه الله - أنهم أرادوا بالصافر المصفور به فقلبوه، أي إذا صفر به هرب كما يقال: " جبان ما يلوى على الصفير ". وذكر أبو عبيدة رحمه الله: أن الصافر في المثل هو الذي يصفر بالمرأة للريبة، فهو وجل مخافة أن يُظهر عليه؛ واستشهد بقول الكميت:
أَرجُو لكم أن تكونوا في مَوَدَّتكم ... كلباً كَوَرْهَاءَ تَقْلِي كلَّ صَفَّارِ
لمّا أجابتْ صَفِيراً كان آتِيَها ... من قابِس ٍشَيَّط الوَجْعاء بالنّارِ
وحديث ذلك: أن رجلا من العرب كان يعتاد امرأة وهي جالسة مع بنيها فيصفر بها، فعند ذلك تخرج عجيزتها من وراء البيت وهي تُحدِّث ولدها فيقضي منها وطره؛ ثم إن بعض بنيها أحسَّ منها بذلك فجاء ليلا وصفر بها ومعه مسمار محمي، فلما فعلت فعلها كوي صدعها؛ ثم أن الخل جاءها بعد ليالٍ فصفر بها، فقالت: قد قلينا صفيركم، فضرب به الكميت مثلا.
* * * وفي " ص 244 س 16 " وأنشد أبو علي - رحمه الله - لبكر بن النَّطَّاح:
ولو خَذَلَتْ أموالُه جُودَ كَفِّه ... لقاسَمَ مَنْ يَرجوه شطْرَ حياتِهِ
ولو لم يَجِدْ في العُمْرِ قسْما لزائرٍ ... لجادَ لهُ بالشَّطْر من حَسناتِهِ
أسقط أبو علي - رحمه الله - من هذا الشعر ما أخل بمعناه فصار فيه مطعن على الشاعر؛ وهو قد أحسن التخلص فقال:
ولو لم يَجدْ في العُمْرِ قسْما لزائرٍ ... وجازَ لهُ الإعطاءُ من حَسَنَاتِهِ
لجادَ بها من غير كُفرٍ بربِّه ... وشارَكَه في صَوْمه وصَلاتِهِ