وَقَدِ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْحَيَاةَ فِيهِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْمَعَانِي وَهِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِاسْتِهْلَالُ وَالنُّطْقُ لِقَوْلِهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَزَعَ بِهَذِهِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْحَيَاةِ وَعَلَامَاتُهَا فَكُلُّ مَا عُلِمَتْ بِهِ الْحَيَاةُ كَانَ مِثْلَهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَوْلُودِ لَا يَسْتَهِلُّ صَارِخًا إِلَّا أَنَّهُ تَحَرَّكَ حِينَ سَقَطَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَعَطَسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْطِقْ وَلَا صَرَخَ مُسْتَهِلًّا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ إِلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ آخَرُونَ كُلُّ مَا عُرِفَتْ بِهِ حَيَاتُهُ فَهُوَ كَالِاسْتِهْلَالِ وَالصُّرَاخِ وَيُورَثُ وَيَرِثُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إِذَا اسْتُوقِنَتْ حَيَاتُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ صَحَّتْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مِنَ الْمَعَانِي إِنْكَارُ الْكَلَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَوْضِعِهِ وَكَانَ جَهْلًا مِنْ قَائِلِهِ وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ التَّسْجِيعِ إِنَّمَا كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْجِيعَ الْهُذَلِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ اعْتَرَضَ بِهِ قَائِلُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِرَاضَ مُنْكِرٍ وَهَذَا لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِنَّمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُ كَانَ أَعْرَابِيًّا لَا عِلْمَ لَهُ بِأَحْكَامِ الدِّينِ فَقَالَ لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا وَتِلْكَ شِيمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَنْتَقِمَ لِنَفْسِهِ وَأَنْ يُعْرِضَ عَنِ الْجَاهِلِينَ