. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتفريق بين الشرك الأصغر مع العلم، والشرك الأصغر مع الجهل؛ ولذا قال: «أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه» ؛ لأن أمر الشرك الأصغر مع العلم عظيم فيجب أن يستعيذ المرء بالله من أن يشرك به شركا أصغر فما هو أعلى منه من باب أولى، وهو يعلم.
ثم قال: «وأستغفرك مما لا أعلم» ؛ قد يقع في الشرك الأصغر أو الخفي، وهو لا يعلم، ويظهر شيء من ذلك على فلتات لسانه، وهو لا يقصد، ولمثل ذلك شرع هذا الدعاء.
فهذا يدل على أن الشرك أمره عظيم، فلا يتهاونن أحد بهذا الأمر؛ لأن من تهاون بالشرك وبالتوحيد، فإنه يكون، فإنه يكون متهاونا بأصل دين الإسلام، بل يكون متهاونا بالذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة سنين عددا، بل يكون متهاونا بدعوة الأنبياء والمرسلين؛ فإنهم اجتمعوا على شيء واحد، وهو العقيدة، وتوحيد العبادة والربوبية والأسماء والصفات، وأما الشرائع فشتى.
لهذا وجب عليك الحذر كل الحذر من الشرك بأنواعه، وأن تتعلم ضده، وأن تتعلم أيضا أفراد الشرك، وأفراد التوحيد، وبذلك يتم العلم، ويستقيم العمل. وأما تعلم ذلك على وجه الإجمال، فهذا كما يقال: نحن على الفطرة، لكن إذا أتت الأفراد فربما رأيت بعض الناس يخوضون في بعض الأقوال أو الأعمال التي هي من جنس الشرك، وهم لا يشعرون؛ وذلك لعدم خوفهم وهربهم من الشرك، نسأل الله جل وعلا العفو والعافية.
فاحرص - إذًا - على تعلم هذا الكتاب ومدارسته، وعلى كثرة مذاكرته، وفهم ما فيه من الحجج والبينات؛ لأنه أفضل ما تودعه صدرك، بعد كتاب الله - جل وعلا - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلعله أن يكون - إن شاء الله - سببا عظيما من أسباب النجاة والفلاح.
هذا الباب هو " باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله "، أي: باب الدعوة إلى التوحيد. وقد ذكر في الباب قبله الخوف من الشرك، وقبله ذَكَرَ فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، و" باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ". ولما ذكر بعده الخوف من الشرك: اجتمعت معالم حقيقة التوحيد في نفس الموحد، فهل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه: بأن عرف فضله، وعرف معناه، وخاف من الشرك، واستقام على التوحيد، وهرب من ضده، هل يبقى مقتصرا بذلك على نفسه، ويضنّ به على غيره، وهل تتم حقيقة التوحيد في قلبه إلا بأن يدعو إلى حق الله الأعظم، ألا وهو إفراده - جل وعلا - بالعبادة وبما يستحقه - سبحانه وتعالى - من نعوت الجلال، وأوصاف الجمال؟؟! .
بوب الشيخ - رحمه الله - بهذا الباب؛ ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك، ومن تمام التوحيد: أن يدعو المرءُ غيره إلى التوحيد؛ فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه، وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله عُلِمَت حيث شهد العبد المسلم لله بالوحدانية بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وشهادته معناها: اعتقاده ونطقه وإخباره غيره بما دلت عليه، فلا بد - إذًا تحقيقًا للشهادة، وإتمامًا لها - أن يكون المكلَّف الموحِّد داعيا إلى التوحيد؛ لهذا ناسب أن يذكر هذا الباب بعد الأبواب قبله، ثم إن له مناسبة أخرى لطيفة، وهي: أن ما بعد هذا الباب هو تفسير للتوحيد وبيان لأفراده، وتفسير للشرك وبيان لأفراده، فتكون الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا