. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQومعترف بالمعصية لكن اتبعهم عملا وقلبه لم يجعل الحلال حراما متعينا أو سائغا، ولكن أطاعهم حبا له في المعصية، أو حبا له في مجاراتهم، ولكن في داخله يعتقد أن الحلال هو الحلال، والحرام هو الحرام، فما بدل الدين، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: هذا له حكم أمثاله من أهل الذنوب، وهاتان الدرجتان هما من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه الآية، فهذا له حكم أمثاله من أهل الذنوب والعصيان؛ لأنه ما حرم الحلال ولا أحل الحرام، وإنما فعل الحرام من جهة العصيان، وجعل الحلال حراما من جهة العصيان، لا من جهة تبديل أصل الدين. ويريد الشيخ - رحمه الله - بذكر الرهبان وبإيراده للآية: التنبيه على أن الطاعة في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، جاءت أيضا من جهة الرهبان العباد، وهذا موجود عند المتصوفة وأهل الغلو في التصوف، والغلاة في تعظيم رؤساء الصوفية، فإنهم أطاعوا مشايخهم والأولياء الذين زعموا أنهم أولياء، أطاعوهم في تغيير الملة، فهم يعلمون أن السنة هي كذا وكذا، وأن خلافها بدعة، ومع ذلك أطاعوهم تعظيما للشيخ، وتقديسا للولي، أو يعلمون أن هذا شرك والدلائل عليه من القرآن والسنة ظاهرة، لكن تركوه وأباحوا ذلك الشرك وأحلوه؛ لأن شيخهم ومقدمهم ورئيس طريقتهم أحله، وهذا كان في نجد كثيرا إبان ظهور الشيخ بدعوته، وهو موجود في كثير من الأمصار، وهو نوع من اتخاذ أولئك العباد أربابا من دون الله - جل وعلا، وهذا المقام أيضا فيه تفصيل على نحو الدرجتين اللتين ذكرتهما عن شيخ الإسلام - رحمه الله -.

هذا الباب من الأبواب العظيمة المهمة في هذا الكتاب، وذلك لأن إفراد الله - جل وعلا - بالوحدانية في ربوبيته وفي إلهيته يتضمن ويقتضي ويستلزم - جميعا - أن يفرد في الحكم، فكما أنه - جل وعلا - لا حكم إلا حكمه في ملكوته، فكذلك يجب أن يكون لا حكم إلا حكمه فيما يتخاصم فيه الناس وفي الفصل بينهم، فالله - جل وعلا - هو الحكم، وإليه الحكم سبحانه، قال - جل وعلا -: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12] [غافر: 12] ، وقال - جل وعلا - {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] [الأنعام: 57] فتوحيد الله - جل وعلا - في الطاعة وتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لا يكون إلا بأن يكون العباد محكمين لما أنزل الله - جل وعلا - على رسوله. فترك تحكيم ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بحكم الجاهلية، أو بحكم القوانين، أو بحكم سواليف البادية، أو بكل حكم مخالف لحكم الله - جل وعلا - هذا من الكفر الأكبر بالله - جل جلاله - ومما يناقض كلمة التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015