. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما المنع من الوفاء بنذر المعصية، الذي دل عليه قوله:. «ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» ؛ فلأن إيجاب المكلف على نفسه معصية الله - جل وعلا - فيه معارضة لنهي الله - جل وعلا - عن العصيان، وإذا نذر العبد العصيان، فإن النذر - كما هو معلوم في الفقه - قد انعقد، ويجب عليه ألا يفي بفعل تلك المعصية، لكن يجب عليه أن يكفر عن ذلك كفارة يمين، ومحل ذلك باب النذر في كتب الفقه.
فالمقصود من هذا: أن استدلال الشيخ - رحمه الله - بالشق الأول، وهو قوله: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ظاهر في الدلالة على أن النذر عبادة، وكذلك في قوله: «ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» حيث أوجب عليه كفارة يمين، فهذا يدل على أن أصله منعقد، انعقد لكونه عبادة، وإذا كان عبادة فصرفها لغير الله شرك أكبر به - جل وعلا -.
فالنذر لله - جل وعلا - عبادة عظيمة - كما ذكرنا - والنذر لغير الله - جل وعلا - أيضا عبادة، فإذا توجه الناذر لغير الله بالنذر فقد عبده، وإذا توجه الناذر لله - جل وعلا - بالنذر فقد عبد الله - جل وعلا -.
فالنذر - على أية حال كان - لله، أو لغير الله، هو عبادة، ثم إن كان لله فهو عبادة لله - جل وعلا - وإن كان لغير الله فهو عبادة لذلك الغير، والله أعلم.
هذا الباب عنونه الإمام - رحمه الله - بقوله " باب من الشرك الاستعاذة بغير الله تعالى " وهذا الباب مع الذي قبله والأبواب التي سلفت أيضا: كلها في بيان المقصد من هذا الكتاب، وبيان الغرض من تأليفه، وأن التوحيد إنما يُعرف بضده، فمن طلب التوحيد فليطلب ضده لأنه - أعني التوحيد - يجمع بين الإثبات والنفي، فيجمع بين الإيمان بالله، وبين الكفر بالطاغوت، فمن جمع بين هذين الأمرين فإنه يكون قد عرف التوحيد؛ ولهذا فصل الشيخ - رحمه الله - أفراد توحيد العبادة، وفصل أفراد الشرك؛ فبين أصناف الشرك الأصغر: القولي والعملي، وبين أصناف الشرك الأكبر: العملي والاعتقادي، فذكر الذبح لغير الله، وذكر النذر لغير الله، والذبح والنذر: عبادتان عظيمتان.
فعبادة الذبح فعلية عملية، وعبادة النذر عبادة قولية إنشاءً، وعملية وفاءً، فالشرك الأكبر الذي يكون من جهة العمل، أنواع، وقد ذكر منها - على سبيل التمثيل - الذبح لغير الله، كما أنه ذكر النذر لغير الله، مثالا على أنواع الشرك الأكبر الحاصل من جهة القول، وكل من الذبح والنذر يصاحبهما اعتقاد تعظيم المخلوق، كتعظيم الله - عز وجل - وهذا شرك، قال تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] [البقرة: 165] وقال: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97 - 98] [الشعراء: 97 - 98] ثم عطف على ذلك: " باب من الشرك الاستعاذة بغير