وَقد لخص الإِمَام فَخر الدّين هَذَا الْخلاف فَقَالَ اخْتلف الْعلمَاء فِي الْوَاقِعَة الَّتِي لَا نَص فِيهَا على قَوْلَيْنِ

أَحدهمَا وَبِه قَالَ الْأَشْعَرِيّ وَالْقَاضِي وَجُمْهُور الْمُتَكَلِّمين أَنه لَيْسَ لله تَعَالَى قبل الِاجْتِهَاد حكم معِين بل حكمه تَعَالَى فِيهَا تَابع لظن الْمُجْتَهد وَهَؤُلَاء هم الْقَائِلُونَ بِأَن كل مُجْتَهد مُصِيب وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فَقَالَ بَعضهم لَا بُد أَن يُوجد فِي الْوَاقِعَة مَا لَو حكم الله تَعَالَى فِيهَا بِحكم لم يحكم إِلَّا بِهِ وَهَذَا هُوَ القَوْل بالأشبه وَقَالَ بَعضهم لَا يشْتَرط ذَلِك

وَالْقَوْل الثَّانِي أَن لَهُ تَعَالَى فِي كل وَاقعَة حكما معينا وعَلى هَذَا فَثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا وَهُوَ قَول طَائِفَة من الْفُقَهَاء والمتكلمين حصل الحكم من غير دلَالَة وَلَا أَمارَة بل هُوَ كدفين يعثر عَلَيْهِ الطَّالِب اتِّفَاقًا فَمن وجده فَلهُ أَجْرَانِ وَمن اخطأه فَلهُ اجْرِ

وَالْقَوْل الثَّانِي عَلَيْهِ أَمارَة أَي دَلِيل ظَنِّي والقائلون بِهِ اخْتلفُوا فَقَالَ بَعضهم لم يُكَلف الْمُجْتَهد بإصابته لخفائه وغموضه فَلذَلِك كَانَ المخطىء فِيهِ مَعْذُورًا مأجورا وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء وينسب إِلَى الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة

وَقَالَ بَعضهم إِنَّه مَأْمُور بِطَلَبِهِ أَولا فَإِن أَخطَأ وَغلب على ظَنّه شَيْء آخر تغير التَّكْلِيف وَصَارَ مامورا بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضى ظَنّه

وَالْقَوْل الثَّالِث أَن عَلَيْهِ دَلِيلا قَطْعِيا والقائلون بِهِ اتَّفقُوا على أَن الْمُجْتَهد مَأْمُور بِطَلَبِهِ لَكِن اخْتلفُوا فَقَالَ الْجُمْهُور المخطىء فِيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015