دليل آخر: نجد كل عاقل إذا نابته نائبة في دنياه، فإنه يفزع إلى عقله (ليتحرز) من ضرر ذلك، ألا ترى أنه لو رأى في الطريق أثر سبع امتنع من سلوكه، وإذا رأى أثر ماء في موضع وهو عطشان لزمه طلبه وقصده، لإحياء نفسه، فلولا أن الاستدلال طريق، لما فزع إليه العاقل لاجتلاب المنفعة ودفع (الضرر)، كما لا يفزع إلى آلة الشم إذا أراد السماع، ولا إلى السماع إذا أراد النظر.

احتج المخالف: بأنه لو كان النظر طريقاً لمعرفة الأحكام (العقلية)، لوجب أن يثمر عند وجوده أمراً مستقراً، ألا ترى أن المقابلة في الأوزان والمكاييل والأعداد لما كان طريقاً لمعرفة المقادير، أثمر عند الاعتبار أمراً يقطع الخلف.

الجواب: أن النظر الصحيح يثمر الحق الذي لا يخالفه إلا معاند، ولهذا نرى الجماعة يرجعون عند إمعان النظر عما كانوا عليه من المذاهب، وإنما لا يتضح الحق لمن قل نظره (أو قلد) في دينه أو عدم آلة الاجتهاد (إذا ارتكب الهوى في تقليده الرجال).

احتج: بأنا نرى من يعتقد مذهباً عن نظر ثم ينتقل عنه إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015