واضح، فإن لم يكن هناك دليل واضح فالواجب ألا تقدم على التعبد بها لله تعالى، وهذا هو الأقرب.

وعُلم من قول المؤلف: (حتى يحصل البلاغ) أنه لو حصل البلاغ بغير الفعل لم يكن الفعل واجبًا، لكن إذا قُدِّر أنه لا طريق لعلم الأمة بمشروعية هذا الفعل إلا فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان فعلُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - واجبًا؛ يعني يجب عليه أن يفعل من أجل إبلاغ الشرع.

علمنا الوجوب من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) [المائدة: 67]، ولقوله تعالى: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) [الشورى: 48] والآيات في هذا المعنى متعددة. بعد أن يحصل البلوغ ويعلم الناس به يكون مندوبًا في حقه وحقنا، وهذا هو أصح الأقوال).

وقال في "الأصول" (ص/57): (مثال ذلك: حديث عائشة أنها سئلت بأي شيء كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: (بالسواك)، فليس في السواك عند دخول البيت إلا مجرد الفعل، فيكون مندوباً).

الفعل البياني:

البيان واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل: 44]، وحكم الفعل البياني يكون بحسب ما هو بيان له، فإن كان الفعل بيانا لآية دالة على الوجوب، دل على الوجوب، وإن كان المبين ندبا كان الفعل البياني ندبا، وإن كان إباحة كان الفعل مباحا.

قال الشيخ الأشقر في "أفعال الرسول" (1/ 293): (يمثل كثير من الأصوليين للفعل البياني بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجعلونها بيانا لآيات الأمر بإقام الصلاة، وبحجه - صلى الله عليه وسلم -، ويجعلونه بيانا لآية: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران:97] ويقولون: إن دليل كون صلاته - صلى الله عليه وسلم - وحجه، بياناً للآيتين هو الطريق القولي، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا كما رأيتموني أصلي). وقوله: (خذوا عني مناسككم).

ففي الصلاة كان - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيرفع يديه حذو منكبيه، ويكبِّر، ثم يضع يديه على صدره، ثم يقرأ الفاتحة وسورة سرا في بعض الصلوات، وجهرا في بعضها ... إلى آخر ما يذكر في صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم -.

ومن المعلوم أن ذلك كله ليس بواجب، بل قد قال ابن قدامة: " إن أكثر أفعال النبي -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015