العام الذي أريد به الخصوص، هو الذي لفظه عام من حيث الوضع ولكن اقترن به دليل يدل على أنه مراد به بعض مدلوله اللغوي مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران: 173]، فلفظ الناس عام ولكنه لم يرد به عموم الناس بدليل قوله: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) فدل على وجود أناس جمعوا، وأناس مجموع لهم، وأناس نقلوا الخبر للمجموع لهم. فلفظ الناس تكرر مرتين والمراد به في الأولى: نعيم بن مسعود، أو ركب عبد القيس، وفي الثانية: أبو سفيان ومن معه من الأحزاب (?).
قال المرداوي في "التحبير" (6/ 2638): (يجوز التخصيص بالحس، أي: المشاهدة، كقوله تعالى: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل: 23]، (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) [الأحقاف: 25] فنحن نشاهد أشياء كثيرة لم تؤتها بلقيس كملك سليمان، ونحن نشاهد أشياء كثيرة لم تدمرها الريح كالسموات، والجبال، وغيرها ... ).
قال المرداوي في "التحبير" (6/ 2639): (قوله: {والعقل أيضا} من المخصصات المنفصلة. العقل ضروريا كان أم نظريا، فالضروري كقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرعد: 16]، فإن العقل قاض بالضرورة أنه لم يخلق نفسه الكريمة، ولا صفاته (?). والنظري كتخصيص قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران:97] فإن العقل بنظره اقتضى عدم دخول الطفل، والمجنون بالتكليف بالحج؛ لعدم فهمهما، بل هما من جملة الغافلين الذين هم غير مخاطبين بخطاب التكليف. قال بعض أعيان الشافعية: لا خلاف في ذلك. قال البرماوي: نعم، منع كثير من العلماء أن ما خرج من الأفراد بالعقل من باب التخصيص، وإنما العقل اقتضى عدم دخوله في لفظ العام، وفرق بين عدم دخوله في لفظ العام، وبين خروجه بعد أن دخل ... ).