وأما مثال التخصيص فقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ) [العنكبوت: 14] الظاهر أن الألف كاملة لكن قوله: (إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) بين أن هذه الخمسين غير مراد دخولها في الألف بداية وأن المراد بالألف تسعمائة وخمسون عاما.
وعلى ذلك فهذا التعريف غير جامع لدخول النسخ الجزئي فيه، فالأولى أن يقال في تعريفه كما قال المرداوي في التحبير (5/ 2509): (قصر العام على بعض أجزائه) وذلك لأن نسخ البعض ليس قصرا بل هو رفع بعد إثبات، والتخصيص قصر للدليل العام عن إثبات الحكم قبل دخوله وقت العمل فلا يدخل النسخ في التعريف.
وهناك بعض القيود الأخرى التي ينبغي أن تضاف لتعريف المرداوي ليكون جامعا مانعا ومنها:
قال العطار في "حاشيته على جمع الجوامع" (2/ 31): (ينبغي تقييد أفراده بالغالبة ليخرج النادرة وغير المقصودة فإن القصر على أحدهما ليس تخصيصا خلافا للحنفية ولذلك ضعف تأويلهم أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل بحمله على المكاتبة أو المملوكة لأنه نادر فلا يقصر عليه الحكم ... ).
وزاد الشنقيطي قيدا آخر فعرفه في المذكرة (ص/66، 208) بقوله: (قصر العام على بعض أفراده بدليل يقتضي ذلك) وأدلة التخصيص تنقسم إلى متصلة ومنفصلة كما سيأتي قريبا.
وعليه فالتخصيص هو: (قصر العام على بعض أفراده الغالبة بدليل يقتضي ذلك).
قال الشيخ: (والمخصِّص - بكسر الصاد - فاعل التخصيص وهو الشارع ويطلق على الدليل الذي حصل به التخصيص) والثاني هو الشائع في الأصول فيقال: القرآن مخصص للسنة والسنة مخصصة للقرآن، وهكذا. وقد يطلق المخصِّص على المجتهد الذي رأى تخصيص دليل بدليل، فيقال خصص الإمام أحمد عموم الآية بكذا.
قال الشيخ: (ودليل التخصيص نوعان: متصل ومنفصل.
فالمتصل: ما لا يستقل بنفسه. والمنفصل: ما يستقل بنفسه).
فالمتصل لا يستقل بنفسه في إفادة معناه، بل يكون متعلقا بما اتصل به من الكلام كالاستثناء والشرط والغاية ونحوهم.