قال الشيخ - رحمه الله -: (يكون التقليد في موضعين:
الأول: أن يكون المقلد عاميّاً لا يستطيع معرفة الحكم بنفسه ففرضه التقليد، ويقلد أفضل من يجده علماً وورعاً فإن تساوى عنده اثنان خير بينهما.
الثاني: أن يقع للمجتهد حادثة تقتضي الفورية ولا يتمكن من النظر فيها فيجوز له التقليد حينئذ).
وقد سبق الكلام على هذه المسائل وبيان أنه يجوز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل، وأنه عند التعارض يقدم الأعلم من المفتين، فإنْ تساووا أخذَ بقول الأتقى والأورع، فإنْ جهل الأعلمَ أو الأورعَ سأل العارفين بهم عن ذلك، ثم أخذ بمَن يغلب على ظنه أنه الأعلمُ أو الأتقى.
وقد سبق بيان أن المجتهد لا يقلد مطلقا بما يغني عن إعادته هنا.
قال الشيخ: (واشترط بعضهم لجواز التقليد أن لا تكون المسألة من أصول الدين
التي يجب اعتقادها، والراجح أن ذلك ليس بشرط).
خالف الشيخ قول الأكثرين من الأصحاب والمشهور من المذهب، واختار قول بعض الحنابلة والشافعية واختيار تقي الدين ابن تيمية من أنه يجوز التقليد في مسائل أصول الدين وهو الراجح.
وقد استدل الشيخ العثيمين لصحة إيمان المقلد في "شرح السفارينية" (ص/311) بما يلي:
1 - أن الله أحال على سؤال أهل العلم في مسألة من مسائل الدين التي يجب فيها الجزم
، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43] ونسألهم لنأخذ بقولهم، ومعلوم أن الإيمان بأن الرسل رجال من العقيدة ومع ذلك أحالنا الله فيه إلى أهل العلم.
2 - وقال تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس: 94]، ويسألهم ليرجع إليهم، وإذا كان الخطاب هذا للرسول ولم يشك فنحن إذا شككنا في شيء من أمور الدين نرجع إلى الذين يقرؤون الكتاب إلى أهل العلم لنأخذ بما يقولون، إذن هذا عام يشمل مسائل العقيدة.
3 - أننا لو ألزمنا العامي بمنع التقليد والتزام الأخذ بالاجتهاد لألزمناه بما لا يطيق،
وقد قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286].