والظن ظنان: "ظن ليس مبنيًا على اجتهاد وإنما هو تخرُّص مطلق! فهذا هو المذموم، ومنه قول بعض العوام أو المتحذلقين من الذين يدعون العلم- إذا سئل عن شيء قال: والله "أظن " أن هذا حرام، أما الذي يبحث في الأدلة ويراجع ولكنه لم يصل إلى حدِّ اليقين، فإنه إذا حكم بذلك فقد حكم بما يستطيع، وقد قال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16] وأيضًا فإن الإنسان قد لا يصل إلى العلم القطعي، ولو أنَّا ألزمنا المفتين بألا يفتوا إلا بما اقتضى العلم لتعطلت كثير من الأحكام الشرعية .. فإن كثيرًا من الأحكام الشرعية مبني على الظن- بعد الاجتهاد-.
وقوله: (وإلا وجب عليه التوقف): "وإلا": أي: وإلا يكن عارفًا يقينًا أو ظنًا يجب عليه التوقف.
ويقال إن مالك بن أنس- رحمه الله- إمام دار الهجرة وهو أحد الأئمة الأربعة جاءه رجل من بلاد خراسان أرسله أهل البلد يسألونه عن مسألة، فسأله، فقال: "لا أدري "! قال: "فماذا أقول لأهل خراسان؟! " قال: "قل لهم إن الإمام مالكًا يقول: لا أدري).
الشرط الثاني:
قال الشيخ: (أن يتصور السؤال تصوّرا ًتاماً).
قال في "الأصل" (ص/83): (فإذا أشكل عليه معنى كلام المستفتي سأله عنه، وإن كان يحتاج إلى تفصيل استفصله، أو ذكر التفصيل في الجواب، فإذا سئل عن امرئ هلك عن بنت وأخ وعم شقيق، فليسأل عن الأخ هل هو لأم أو لا؟ أو يُفَصِّلُ في الجواب، فإن كان لأم فلا شيء له، والباقي بعد فرض البنت للعم، وإن كان لغير أم فالباقي بعد فرض البنت له، ولا شيء للعم).
الشرط الثالث:
قال الشيخ: (أن يكون هادئ البال فلا يفتي حال انشغال فكره بغضب أو هم أو ملل أو غيرها).
قال ابن النجار في "شرح الكوكب" (4/ 547): ((وهي) أي: الفتيا (في حالة غضب ونحوه) كشدة جوع، وشدة عطش، وهم، ووجع، وبرد مؤلم، وحر مزعج، ومع كونه حاقنا، أو حاقبا، أو نحو ذلك (كقضاء) فتحرم على الصحيح، كالصحيح في قضاء القاضي في تلك الحالة ويعمل بفتياه إن أصاب الحق، كما ينفذ قضاؤه في تلك الحالة إن أصاب الحق).
وقد فصل الشيخ في "الشرح" (ص/608) حالات الغضب فقال: (العلماء يقولون: إن الغضب له ثلاث مراحل: (أول، ونهاية، ووسط) أما (النهاية): فإنها تلحق صاحبه بالمجانين،