بحثنا عَن هَذِه المسالة فنعلم أَن النّسخ إِنَّمَا وَقع بِكَلَام الله تَعَالَى، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مبلغ، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك سقط مَا قَالُوهُ وَتبين أَن كَلَام الله تَعَالَى نسخ كَلَامه، ثمَّ نقُول إِنَّمَا الإعجاز فِي نظم الْقُرْآن لَا فِي الحكم الثَّابِت فجوزوا أَن ينْسَخ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم الْآيَة مَعَ بَقَاء تلاوتها.
[1290] فَإِن قَالُوا فَلَا أحد يفصل بَين نسخ حكم الْقُرْآن وَبَين نسخ تِلَاوَته، فَمن جوز النّسخ بِالسنةِ جوز ذَلِك فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قيل لَهُم: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، فَإِن من النَّاس من يفصل بَينهمَا، وَقَالَ يجوز نسخ حكم الْقُرْآن بِالسنةِ، وَلَا يجوز تِلَاوَة الْقُرْآن بِالسنةِ وَهَذَا لَيْسَ بمرضي عندنَا فَإِن تِلَاوَة الْقُرْآن من الْأَحْكَام أَيْضا كَمَا قدمْنَاهُ فعلى هَذَا نقُول: قصدنا بتفصل القَوْل عَلَيْكُم ليتبين بطلَان استدلالكم صَرِيحًا فِي صُورَة من صور الْخلاف. وعَلى أَنا نقُول: الْآيَة الْوَاحِدَة إِذا قصرت فَلَا يَقع بهَا الإعجاز، فجوزوا نسخهَا بِالسنةِ مَا لم يبلغ الْمَنْسُوخ حدا يَقع بِهِ الإعجاز، وَلَا قَائِل بذلك مِنْكُم، على أَنا نقُول إِذا دلّ الْقُرْآن على صدق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو قدر بعد اسْتِمْرَار الْأَدِلَّة ارْتِفَاع الْقُلُوب والألسن فَلَا يقْدَح ذَلِك فِي النُّبُوَّة بعد مَا ثبتَتْ، وَهَذَا كَمَا أَنا نقطع الْآن بِصدق مُوسَى وَعِيسَى وَغَيرهمَا من الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم للمعجزات الَّتِي أظهرها الله على أَيْديهم، وَإِن كُنَّا نعلم أَن شَيْئا مِنْهَا غير مُتَحَقق مِنْهَا وجود الان.
[1291] وَمِمَّا استدلوا بِهِ أَيْضا أَن قَالُوا: لَيْسَ من الْأَصْلَح تَجْوِيز نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ، وَلَا يرد فِي الشَّرِيعَة إِلَّا مَا هُوَ / الْأَصْلَح.
قُلْنَا: هَذَا بِنَاء مِنْكُم على أصل فَاسد لَا تساعدون عَلَيْهِ، فَإنَّا لانراعي