وَالْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة لَا ترجع على أصُول أهل الْحق إِلَى الذوات والأنفس وَلكنهَا ترجع إِلَى نفس الْأَمر على مَا عَقدنَا فِيهِ بَابا، فَنحْن نجوز تَحْرِيم الشَّيْء وَإِيجَاب مثله وتحسين الشَّيْء وتقبيح مثله، وَإِنَّمَا يصعب موقع السُّؤَال على الْمُعْتَزلَة لما صرفُوا الْأَحْكَام إِلَى الذوات.
[503] فَإِن قيل: نرى الْفُقَهَاء يطلقون فِيمَا يتفاوضون بِهِ لفظ الآكد فِي السنتين فَيَقُولُونَ: هما مؤكدتان، وإحداهما آكِد من الْأُخْرَى فَهَل تطلقون مثل ذَلِك فِي الواجبين حَتَّى تَقولُوا أَحدهمَا أوجب من الآخر؟ .
قيل: هَذَا مِمَّا نطلقه وَلَا نتحاشى مِنْهُ.
[504] فَإِن قَالُوا: فَمَا معنى قَوْلكُم أَحدهمَا أوجب؟ .
قيل: الْوُجُوب رَاجع إِلَى وعد اللوم على التّرْك وَالثنَاء على الِامْتِثَال فَكل مَا كَانَ اللوم الْمَوْعُود على تَركه أَكثر كَانَ أوجب، فَنَقُول: على هَذِه الْقَضِيَّة: الْإِيمَان بِاللَّه أوجب من الطَّهَارَة، وَالْمعْنَى بِهِ أَن الْمَوْعُود على تَركه من اللوم والإقدام عَلَيْهِ من الثَّوَاب وَحسن الثَّنَاء أَكثر وَهَذَا هُوَ المعني بِذكر الآكد فِي السنتين، وَلَا يَسْتَقِيم ذَلِك على مَذَاهِب الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهُم يصرفون الْوُجُوب إِلَى صفة الذَّات، فَلَا يسْتَمر لَهُم مَا ذَكرْنَاهُ.