فَنَقُول لَهُ: بِمَ تنكر على من يَقُول لَك إِن الله تَعَالَى علم أَنه لَو جمعهم على الِاعْتِصَام بالنصوص وَترك تتبع الْعِلَل استنباطاً وتحرياً واجتهاداً، كَانَ ذَلِك صلاحاً. وَلَو تعبدهم بِالْقِيَاسِ كَانَ ذَلِك صلاحاً أَيْضا.
فَلَمَّا اسْتَوَى وَجه طلب الصّلاح فِي الْقسمَيْنِ فعل الرب أَحدهمَا، فَلم زعمت أَن إِيثَار أَحدهمَا مَعَ استوائهما فِي حكم الصّلاح، يبين لَك اتِّفَاق وُقُوعه مفْسدَة فِي الْمَعْلُوم.
1582 - فَإِن قَالَ النظام، إِنَّمَا قلت ذَلِك. لِأَنَّهُ لَا يُنْهِي إِلَّا عَن الْمحرم. وكل مَا كَانَ محرما فَهُوَ قَبِيح لوصف هُوَ فِي نَفسه لعَينه وَقد ثَبت أَنه نهى عَن الْأَخْذ بِالْقِيَاسِ.
فَنَقُول: هَذَا الَّذِي ذكرته خُرُوج عَن مُقْتَضى أصلك. فَإنَّك إِذا قلت أَن التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ مِمَّا لَا يقبح لعَينه، وَيجوز تَقْدِير وُقُوعه مصلحَة فِي الْمَعْلُوم. فَكيف يَسْتَقِيم فِي هَذَا الأَصْل القَوْل بِأَن الْقيَاس والتمسك بِهِ قَبِيح لوصف هُوَ فِي نَفسه " لعَينه ".
1583 - على أَنا نقُول: بِمَ تنكرون على من يزْعم أَنه لما كَانَ الْحمل على النُّصُوص وَالْأَخْذ بموجباتها مصلحَة، وَكَانَ التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ مصلحَة أَيْضا، واستويا فِي اقْتِضَاء الْمصلحَة، وَعلم الرب تَعَالَى أَن التَّخْيِير بَينهمَا مفْسدَة، وَرُبمَا يتَّفق ذَلِك فِي الْمَعْلُوم، فَلَمَّا علم بذلك أَمر بِأَحَدِهِمَا وَنهى