فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ «وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ حَزَّهَا وَجَاءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ: رَكْعَتَيْنِ» . إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَاسْتَغْرَبَهُ الْعُقَيْلِيُّ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جِئْت إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْسِ مَرْحَبٍ» . وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: «لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَدُوَّ، فَقَالَ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ، فَلَهُ عَلَى اللَّهِ مَا تَمَنَّى فَجَاءَهُ رَجُلَانِ بِرَأْسٍ -» الْحَدِيثَ - قَالَ أَبُو دَاوُد: فِي هَذَا أَحَادِيثُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إنْ ثَبَتَ، فَإِنَّ فِيهِ تَحْرِيضًا عَلَى قَتْلِ الْعَدُوِّ، وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ الرَّأْسِ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ رَأْسٌ قَطُّ، وَلَا يَوْمَ بَدْرٍ» ، وَحُمِلَ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَأْسٌ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. قَالَ: وَأَوَّلُ مَنْ حُمِلَتْ إلَيْهِ الرُّءُوسُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ. قُلْت: وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْسِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ» .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى: هُوَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ قُتِلَ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ خُرُوجَ الْأَسْوَدِ صَاحِبِ صَنْعَاءَ بَعْدَهُ، لَا فِي حَيَاتِهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ: بِأَنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ، وَتَفَرُّدُ ضَمْرَةَ بِهِ لَا يَضُرُّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاصِدًا إلَيْهِ، وَافِدًا عَلَيْهِ، مُبَادِرًا بِالتَّبْشِيرِ بِالْفَتْحِ، فَصَادَفَهُ قَدْ مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قُلْت: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّ الْأَسْوَدَ لَمْ يَخْرُجْ فِي حَيَاتِهِ، غَيْرَ مُسَلَّمٍ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهِ كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَهُ " اشْتِدَادُ شَوْكَتِهِ، وَاشْتِهَارُ أَمْرِهِ، وَعِظَمُ الْفِتْنَةِ بِهِ، وَكَانَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ فِي أَثَرِ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَتَقْرِيرِهِ،