عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ: فَنَظَرْتُ فِي جِرَابِهِ وَإِذَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوَ الصَّاعِ، وَمِثْلُهَا قُرْطٌ فِي نَاحِيَةِ الْغَرْفَةِ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ» . - الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: «أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ، وَلَهُمْ الدُّنْيَا» . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ وَفِيهِ: «أُولَئِكَ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: «كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَدَمٍ، وَحَشْوُهُ لِيفٌ» . وَمِنْ حَدِيثِهَا: «مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ حَتَّى قُبِضَ» . وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» .
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ اسْتِعَاذَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْفَقْرِ كَمَا تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ وَكَرِهَهُ فَقْرَ الْقَلْبِ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ وَارْتَضَاهُ طَرْحَ الْمَالِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ هُوَ الَّذِي لَا يُدْرَكُ مَعَهُ الْقُوتُ، وَالْكَفَافُ، وَلَا يَسْتَقِرُّ مَعَهُ فِي النَّفْسِ غِنًى، لِأَنَّ الْغِنَى عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غِنَى النَّفْسِ، قَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] وَلَمْ يَكُنْ غِنَاهُ أَكْثَرَ مِنْ ادِّخَارِهِ قُوتَ سَنَةٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَكَانَ الْغِنَى مَحَلُّهُ فِي قَلْبِهِ ثِقَةً بِرَبِّهِ، وَكَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ فَقْرٍ مُنْسٍ، وَغِنًى مُطْغٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْغِنَى وَالْفَقْرِ طَرَفَيْنِ