فيه عُمدة المحققين وأُستاذ المصنفين، كأنما كان الفقه ميتاً فأحياه وأنشره، وأقام عماده بعد ما أماته الجهل فأقبره، كان فيه بدراً يتوارى عنه البدر إذا دارت به دائرته والشمس إذا ضمها أوجها، وجواداً لا يلحقه الجواد إذا سلك طرقاً ينقل فيها أقوالاً ويخرخ أوجها فكأنما عناه البحتري بقوله:
وإذا دجت أقلامه ثم انتحت ... برقت مصابيح الدجا في كتبه
باللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعد نيله في قربه
حكم سحابتها خلال بيانه ... هطالة وقلبها في قلبه
كالروض مؤتلقا بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه
وكأنها والشمع معقود بها ... شخص الحبيب بدا لعين محبه
وكان رحمه الله ورعاً زاهداً تقياً نقياً طاهر الذيل مراقباً لله، له السيرة الرضية المرضية والطريقة الزكية، والكرامات الباهرة.
قال أبو عبد الله محمد بن محمد الاشفرايني: هو شيخنا، إمام الدين، وناصر السنة. كان أوحد عصره في العلوم الدينية، أصولاً وفروعاً، مجتهد زمانه في المذهب، فريد وقته في التفسير، كان له مجلس بقزوين للتفسير ولتسميع الحديث.
قال الإسنوي في "طبقاته"1: صاحب شرح "الوجيز" الذي لم يصنف في المذهب مثله، تفقه على والده وعلى غيره، وكان إماماً في الفقه والتفسير، والحديث والأصول، وغيرها. طاهر اللسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الاحتراز في المنقولات، ولا يطلق نقلاً عن أحد غالباً إلا إذا رآه في كلامه، فإن لم يقف عليه فيه عبر بقوله: وعن فلان كذا، شديد الاحتراز أيضاً في مراتب الترجيح.
قال الذهبي: يظهر عليه اعتناء قوي بالحديث وفنونه في شرح "المسند".
قال ابن قاضي شهبة2: صاحب الشرح المشهور كالعلم المنشور وإليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار، ولقد برز فيه على كثير ممن تقدمه، وحاز قصب السبق، فلا يدرك شأوه الا من وضع يديه حيث وضع قدمه.
قال ابن العماد ... الإمام العلاّمة إمام الدين الشافعي صاحب الشرح المشهور الكبير على المحرر..، انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه، وكان مع براعته في العلم صالحاً زاهداً ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع.