إذا زل، واجتمع له من ذلك القبول التام، عند الخواص والعوام، والصيت المنتشر، والجاه والرفعة.
وتولّى تدريس النظامية ببغداد مدة، محترماً في حريم الخلافة، مرجوعاً إليه ثم آثر العودة إلى الوطن، واغتنم الناس رجوعه إليهم، واستفادتهم من علمه، وتبركوا بأيامه.
وسمع الكثير من الفراوي، وفهرست مسموعاته متداول، وكان يعقد المجلس للعامة في الأسبوع ثلاث مرات، إحداها: صبيحة يوم الجمعة، فتكلم على عادته يوم الجمعة، الثاني عشر من المحرم سنة تسعين وخمسمائة في قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [التوبة:129] .
وذكر أنها من أواخر ما نزل من القرآن، وعدد الآيات المنزلة آخراً منها:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... } [المائدة:3] . ومنها: سورة النصر. وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] .
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش بعد نزول هذه الآية إلا سبعة أيام، ولما نزل من المنبر
حُم، وانتقل إلى رحمة اللَّه تعالى في الجمعة الأخرى، ولم يعش بعد ذلك المجلس إلاَّ سبعة أيام، وهذا من عجيب الاتفاقات.
وكأنه أُعْلِمَ بالحال، وبأنه حان وقت الارتحال، ودُفن يوم السبت ولقد خرجت من الدار بكرة ذلك اليوم، وأنا في شأنه متفكر، ومما أصابه منكسر، إذ وقع في خلدي من غير نية، وفكر وروية:
بكت العلوم بويلها وعويلها ... لوفاة أحمدها بن إسماعيلها
كأن احداً يكلمني بذلك.
وكانت ولادته سنة: ائنتي عشرة وخمسمائة، وهو مع كونه خال والدتى، أبوها من الرضاع أيضاً".
قال: "وابنها" المملي لهذه "الأمالي"- يعني الرافعي نفسه-: لا يخرج عن زمرة أهل العلم، ويحشر فيهم إن شاء الله تعالى، وكذا سائر بنيها".
قال: "ثم هي- يعني والدته- في نفسها متدينة خائفة، وبما لا بد منه من الفروض عارفة، قارئة لكتاب الله، كثيرة الخير، رقيقة القلب، سليمة الجانب، تحمل الكل، وترغب في المعروف، وتحسن إلى اليتامى، تلي خيراً، وتولي جميلاً ما استطاعت إليهما سبيلاً.
وكانت قد ابتليت بعدة بنات، أنفقت واسطة العمر عليهن، حتى استكملن من أدبهن، مضين لسبيلهن فتركنها ثكلى بهن، وللَّه ما أخذ، وله ما أعطى، ولا راد لما حكم وقضى".