فقد فهم من قوله: "وهن شديد بينته" أن الحديث الذي فيه وهن لكنه ليس بشديد لا يبينه، ويكون عنده صالحاً للاحتجاج به بقوله بعد ذلك: "ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح".
قال النووي: فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مطلقاً، ولم يصححه غيره من المعتمدين ولا ضعفه فهو حسن عن أبي داود، وعلله السيوطي بأن الصالح للاحتجاج لا يخرج عنهما، ولا يرتقي إلى الصحة إلا بنص، فالأحوط الاقتصار على الحسن، وأحوط منه التعبير عنه بصالح.
وإذا كان أبو داود يخرِّج عن كل من لم يُجْمَع على تركه، ويخرِّج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره- إلا أنه أقوى عنده من رأي الرجال- ولا ينبه على الضعيف إلا إذا اشتد وهنه، فيحتمل أن يريد بقوله: "صالح" الصالح للاعتبار دون الاحتجاج، فيشمل الضعيف أيضاً.
وقال ابن كثير: إنه روى عنه: "وما سكت عليه فهو حسن" فإن صح ذلك فلا إشكال.
وبناء على ما تقدم يمكن أن نقول: إن التعبير بكلمة "صالح" صالحة لأن تكون بمعنى صالح للاحتجاج، فتشمل الصحيح والحسن لذاتهما ولغيرهما، وأن يكون بمعنى صالح للاعتبار، فتستعمل في الضعيف الذي يصلح أن تكون تابعاً أو شاهداً.
وقال الشوكاني في مقدمة "نيل الأوطار": وقد اعتنى المنذري- رحمه الله- في نقد الأحاديث المذكورة في "سنن أبي داود"، وبين ضعيف كثير مما سكت عنه، فيكون ذلك خارجاً عما يجوز العمل به، وما سكتا عليه جميعاً فلا شك أنه صالح للاحتجاج إلا في مواضع يسيرة قد نبهت على بعضها في هذا الشرح – يريد "نيل الأوطار"- ولذلك كثيراً ما يقول فيه: سكت عنه أبو داود والمنذري.
المحفوظ: قال ابن حجر: إن خولف راوي الصحيح والحسن بأرجح منه لمزيد ضبطه أو كثرة عدده أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، فالرجح يقال له: المحفوظ، ومقابله، وهو المرجوح يقال له: الشاذ.
فالمحفوظ: هو حديث الثقة الذي رجحت روايته على حديث الثقة الذي كانت روايته مرجوحة بأحد وجوه الترجيحات المعتبرة في الترجيح، ويقال لمقابله: الشاذ.
المعروف: قال ابن حجر. فان وقعت المخالفة مع الضعف، فإن كان الراوي المخالف ضعيفاً لسوء الحفظ أو الجهالة فالراجح من الحديثين يقال له: المعروف، ومقابله يقال له: المنكر.
فالمعروف: هو حديث الثقة المخالف لحديث غير الثقة.
وهذا باعتبار الأغلب، وإلا فقد يطلق كل من المحفوظ والمعروف أحدهما على الآخر.
والمجود والثابت: وهما يشملان عند المحدثين الصحيح والحسن.