وَفِي "مَرَاسِيلِ" أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ؛ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَدُوَّ، فَقَالَ: "مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ، فَلَهُ عَلَى اللَّهِ مَا تَمَنَّى، فَجَاءَهُ رَجُلَانِ بِرَأْسٍ ... " الْحَدِيثَ1، قَالَ أَبُو دَاوُد: فِي هَذَا أَحَادِيثُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إنْ ثَبَتَ؛ فَإِنَّ فِيهِ تَحْرِيضًا عَلَى قَتْلِ الْعَدُوِّ، وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ الرَّأْسِ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ رَأْسٌ قَطُّ، وَلَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَحُمِلَ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَأْسٌ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَوَّلُ مَنْ حُمِلَتْ إلَيْهِ الرُّءُوسُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ2.
قُلْت: وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ3، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى: هُوَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ قُتِلَ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ خُرُوجَ الْأَسْوَدِ صَاحِبِ صَنْعَاءَ بَعْدَهُ، لَا فِي حَيَاتِهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ: بِأَنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ، وَتَفَرُّدُ ضَمْرَةَ بِهِ لَا يَضُرُّهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاصِدًا إلَيْهِ، وَافِدًا عَلَيْهِ، مُبَادِرًا بِالتَّبْشِيرِ بِالْفَتْحِ، فَصَادَفَهُ قَدْ مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّ الْأَسْوَدَ لَمْ يَخْرُجْ فِي حَيَاتِهِ، غَيْرَ مُسَلَّمٍ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهِ كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَهُ، اشْتِدَادُ شَوْكَتِهِ، وَاشْتِهَارُ أَمْرِهِ، وَعِظَمُ الْفِتْنَةِ بِهِ، وَكَانَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ فِي أَثَرِ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَتَقْرِيرِهِ؛ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ شَاهِينَ فِي الْأَفْرَادِ لَهُ، وَمِنْ طَرِيقِهِ السَّلَفِيُّ فِي الطُّيُورِيَّاتِ، قَالَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بن يحيى القطعي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عبد الرحمن، حدثني أبي، عن صالح بن خَوَّاتٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: "إنَّ أَوَّلَ رَأْسٍ عُلِّقَ فِي الْإِسْلَامِ رَأْسُ أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ عُنُقَهُ، ثُمَّ حَمَلَ رَأْسَهُ عَلَى رُمْحٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ.
وَأَمَّا الْحَمْلُ إلَى عُثْمَانَ: فَلَمْ أَرَهُ، نَعَمْ وَرَدَ فِي حَمْلِ الرُّءُوسِ إلَى أَبِي بَكْرٍ؛ لَكِنَّهُ أَنْكَرَهُ" كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ "أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، بَعَثَا عُقْبَةَ بَرِيدًا إلَى أَبِي بَكْرٍ بِرَأْسِ يَنَّاقَ بِطْرِيقِ الشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ بِنَا؛ قَالَ: تأسيا أو أسيانا