كَبِيرَةً فَقَدْ كَفَرَ، وَاسْتَحَقَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ، وَيَطْعَنُونَ لِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَجْتَمِعُونَ مَعَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ شَرِّهِمْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ قَتَلَ عَلِيًّا مُتَأَوِّلًا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ زَاعِمًا أَنَّ لَهُ شُبْهَةً وَتَأْوِيلًا بَاطِلًا، وَحَكَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْخَوَارِجِ تُسَمَّى "قَطَامِ"، خَطَبَهَا ابْنُ مُلْجَمٍ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَتَلَ أَبَاهَا فِي جُمْلَةِ الْخَوَارِجِ، فَوَكَّلَتْهُ فِي الْقِصَاصِ، وَشَرَطَتْ لَهُ مَعَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ1 آلَافِ دِرْهَمٍ وَعَبْدًا وَقَيْنَةً؛ لِتُحَبِّبَهُ فِي ذَلِكَ، وفي ذلك قيل [من الطويل] :

فَلَمْ أَرَ مَهْرًا سَاقَهُ ذو سماحة ... كمهر قَطَامِ مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِ

ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ ... وقتل علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلَا ... وَلَا فَتْكَ إلَّا دُونَ فَتْكِ ابْنِ مُلْجَمٍ

انْتَهَى.

أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِقَادِ الْخَوَارِجِ: فَأَوَّلَهُ لَيْسَ بِصَوَابٍ، فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ الْمَذْكُورِ هُوَ اعْتِقَادُ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَأَمَّا الْخَوَارِجَ فَكَانُوا أولا من رؤوس أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَكَانُوا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ نَكِيرًا عَلَى عُثْمَانَ، بَلْ الْغَالِبُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ ظُلْمًا، وَلَمْ يَزَالُوا مَعَ عَلِيٍّ فِي حروبه في "الجمل" و"صفين" إلَى أَنْ وَقَعَ التَّحْكِيمُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ "صِفِّينَ" لَمَّا كَادُوا أَنْ يُغْلَبُوا أَشَارَ عَلَيْهِمْ بَعْضُهُمْ بِرَفْعِ الْمَصَاحِفِ، وَالدُّعَاءِ إلَى التَّحْكِيمِ، فَنَهَاهُمْ عَلِيٌّ عَنْ إجَابَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: إنَّا عَلَى الْحَقِّ، فَأَبَى أَكْثَرُهُمْ، فَأَجَابَهُمْ عَلِيٌّ لِتَحَقُّقِهِ أَنَّ الْحَقَّ بِيَدِهِ، فَحَصَلَ مِنْ اخْتِلَافِ الْحُكْمَيْنِ مَا أَوْجَبَ رُجُوعَ أَهْلِ الشَّامِ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَرُجُوعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَعَ عَلِيٍّ بَعْدَ التَّحْكِيمِ، فَأَنْكَرَتْ الْخَوَارِجُ التَّحْكِيمَ، وَقَالُوا: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ، وَحَكَمُوا بِكُفْرِ عَلِيٍّ وَجَمِيعِ مَنْ أَجَابَ إلَى التَّحْكِيمِ، إلَّا مِنْ تَابَ وَرَجَعَ، وَقَالُوا لِعَلِيٍّ: أَقِرَّ عَلَى نَفْسِك بِالْكُفْرِ ثُمَّ تُبْ، وَنَحْنُ نُطَاوِعُك، فَأَبَى، فَخَرَجُوا عَلَيْهِ وَقَاتَلَهُمْ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ عَنْهُمْ، مُصَرَّحٌ بِهِ فِي التَّوَارِيخِ الثَّابِتَةِ وَالْمِلَلِ وَالنِّحَلِ.

وَقَدْ اسْتَوْفَى أَخْبَارَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ فِي "كَامِلِهِ" وَغَيْرُهُ، وَصَنَّفَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015