وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا"، فَقِيلَ لَهُ: "سُنَّةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سُنَّةٌ.

أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ1.

وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَهُ2، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ سَعِيدٍ سُنَّةٌ، سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلُهُ: "وَلَمْ يَقُلْ مِنْ السُّنَّةِ"3، وَأَمَّا لَفْظُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُشَارِ إلَيْهَا، فَلَمْ أَرَهُ.

قُلْتُ: لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى عِلَّةٌ بَيَّنَهَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ الْمَوَّاقِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِزَوْجِهَا أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي ... "، الْحَدِيثَ.

وَعَنْ حَمَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ؛ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَعْجِزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ، قَالَ: "إنْ عَجَزَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا"، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدٍ بِذَلِكَ، وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: ظَنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمَّا نَقَلَهُ مِنْ كِتَابِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ؛ أَنَّ قَوْلَهُ "مِثْلُهُ" يَعُودُ عَلَى لَفْظِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا يَعُودُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمَوَّاقِ بِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَهِمْ فِي شَيْءٍ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ الْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّ فِي السِّيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى صَرْفِهِ لِلْأَبْعَدِ، انْتَهَى.

وَقَدْ وَقَعَ الْبَيْهَقِيّ ثُمَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا خَشِيَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، فَنَسَبَا لَفْظَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيّ أَخْرَجَ أَثَرَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ سَاقَ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ "مِثْلُهُ"، وَبَالَغَ فِي "الْخِلَافِيَّاتِ" فَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا؛ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، "يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا"؛ كَذَا قَالَ، وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ سِيَاقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015