وحضر الشيوخ وأرباب الدولة وجمع غفير من الناس، وازدحموا في الصلاة عليه حتى حزر أحد الأذكياء من مشى في جنازته بأنهم نحو الخمسين ألف إنسان.

ومن شدة حب الناس، وإكرامهم له تصور البعض أن الخضر صلى عليه كما ذكر ذلك صاحب مفتاح السعادة، فقال: ومن جملة من صلّى عليه "الخضر عليه السلام رآه عصابة من الأولياًء".

وكان يوم موته عظيماً على المسلمين وحتى على أهل الذمة، وشيعته القاهرة إلى مدفنه في القرافة الصغرى، وتزاحم الأمراء الأكابر على حمل نعشه، ومشى إلى تربته من لم يمش نصف مسافتها قط، فدفن تجاه تربة الديلمي بتربة بني الخروبي بين مقام الشافعي ومقام سيدي مسلم السّلمي، وكانت وصيته خلاف ذلك.

وقيل: إن السماء أمطرت على نعشه مطراً خفيفاً فعد ذلك من النوادر.

ذكر من رثاه

وما أحقه بقول ابن دريد في قصيدة طويلة [من البسيط] :

إن المنية لم تتلف بها رجلا ... بل أبلغت علما للدين منصوبا

كان الزمان به تصفو مشاربه ... والآن أصبح بالتكدير مقطوبا

كلا وأيامه الغر التي جعلت ... للعلم نورا وللتقوى محاريبا

وبقول غيره [من الكامل] :

ذهب العليم بعيب كل محدث ... وبكل مختلف من الإسناد

وبكل وهم في الحديث ومشكل ... يعنى به علماء كل بلاد

وبقول غيره [من الوافر] :

بكيت على فراقك كل يوم ... وأمليت الجوار من الجفون

ولو كان البكاء بقدر شوقي ... لملته العيون من العيون

وبقول غيره [من البسيط] :

رزءٌ ألم فقلب الدهر في وهج ... وأغفل الناس منسوب إلى الهوج

وللقلوب وجيب في مراكزها ... مهول فهو بتشقيق الصدور حجي

وللعيون انهمال كالغمام بكا ... فكل فج به عال من اللجج

يا واحد العصر يا من لا نظير له ... إذ كل شخص من الأمثال في لجج

يا شيخ الاسلام1 يا مولى لقد خضعت ... غلب الرجال لما تبدي من الحجج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015