وقاضي الْجَمَاعَة بهَا يكنى أَبَا الْوَلِيد روى عَن أَبِيه أبي الْقَاسِم استظهر عَلَيْهِ الْمُوَطَّأ حفظا وَأخذ يَسِيرا عَن أبي الْقَاسِم بن بشكوال وَأبي مَرْوَان بن مَسَرَّة وَأبي بكر بن سمجون وَأبي جَعْفَر بن عبد الْعَزِيز وَأَجَازَ لَهُ هُوَ وَأَبُو عبد الله الْمَازرِيّ وَأخذ علم الطِّبّ عَن أبي مَرْوَان بن جريول البلنسي

وَكَانَت الدِّرَايَة أغلب عَلَيْهِ من الرِّوَايَة درس الْفِقْه وَالْأُصُول وَعلم الْكَلَام وَغير ذَلِك وَلم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا وَكَانَ على شرفه أَشد النَّاس تواضعا وأخفضهم جنَاحا وعنى بِالْعلمِ من صغره إِلَى كبره حَتَّى حُكيَ عَنهُ أَنه لم يدع النّظر وَلَا الْقِرَاءَة مُنْذُ عقل إِلَّا لَيْلَة وَفَاة أَبِيه وَلَيْلَة بنائِهِ على أَهله وَأَنه سود فِي مَا صنف وَقيد وَألف وهذب وَاخْتصرَ نَحوا من عشرَة آلَاف ورقة وَمَال إِلَى عُلُوم الْأَوَائِل فَكَانَت لَهُ فِيهَا الْإِمَامَة دون أهل عصره وَكَانَ يفزع إِلَى فتواه فِي الطِّبّ كَمَا يفزغ إِلَى فتواه فِي الْفِقْه مَعَ الْحَظ الوافر من الْإِعْرَاب والآداب حكى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن الطيلسان أَنه كَانَ يحفظ شعري حبيب والمتنبي وَيكثر التمثل بهما فِي مَجْلِسه ويورد ذَلِك أحسن إِيرَاد وَله تصانيف جليلة الْفَائِدَة مِنْهَا كتاب بداية الْمُجْتَهد وَنِهَايَة المقتصد فِي الْفِقْه أعْطى فِيهِ أَسبَاب الْخلاف وَعلل وَوجه فَأفَاد وأمتع بِهِ وَلَا يعلم فِي فنه أَنْفَع مِنْهُ وَلَا أحسن مساقا وَكتاب الكليات فِي الطِّبّ ومختصر الْمُسْتَصْفى فِي الْأُصُول وَكتابه فِي الْعَرَبيَّة الَّذِي وسمه بالضروري وَغير ذَلِك وَولي قَضَاء قرطبة بعد أبي مُحَمَّد بن مغيث فحمدت سيرته وتأثلت لَهُ عِنْد الْمُلُوك وجاهة عَظِيمَة لم يصرفهَا فِي ترفيع حَال وَلَا جمع مَال إِنَّمَا قصرهَا على مصَالح أهل بَلَده خَاصَّة وَمَنَافع أهل الأندلس عَامَّة وَقد حدث وَسمع مِنْهُ أَبُو مُحَمَّد بْن حوط اللَّه وَأَبُو الْحسن سهل بن مَالك وَأَبُو الرّبيع بْن سَالم وَأَبُو بكر بن جهور وَأَبُو الْقَاسِم بن الطيلسان وَغَيرهم وامتحن بِأخرَة من عمره فاعتقله السُّلْطَان وأهانه ثمَّ عَاد فِيهِ إِلَى أجمل رَأْيه واستدعاه إِلَى حَضْرَة مراكش فَتوفي بهَا يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع من صفر سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَقبل وَفَاة الْمَنْصُور الَّذِي نكبه بِشَهْر أَو نَحوه وَدفن بخارجها ثمَّ سيق إِلَى قرطبة فَدفن بهَا مَعَ سلفه رَحمَه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015