والمقدمات من تأليفه وَسمع من أبي بَكْر بْن الْعَرَبِيّ جَامع التِّرْمِذِيّ وَغير ذَلِك وَكَانَ لَا يحدث عَنهُ وَلَا عَن شُرَيْح والهوزني وعني فِي أول أمره بِالْعَرَبِيَّةِ فبرع فِيهَا وعزم على الِاقْتِصَار عَلَيْهَا والتصدر لإقرائها ثمَّ مَال إِلَى دراسة الْفِقْه ومطالعة الحَدِيث والإشراف على الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف بتحريض أبي الْوَلِيد بن رشد إِيَّاه على ذَلِك وندبه إِلَيْهِ لما رأى من سداد فطرته واتقاد فطنته فَبلغ الْغَايَة ونفع الله بِهِ وانتهت إِلَيْهِ الرياسة فِي الْحِفْظ والفتيا وَقدم للشورى مَعَ أبي بكر بن الْعَرَبِيّ ونظرائه من الْفُقَهَاء حِينَئِذٍ بإشبيلية فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَأَبُو الْقَاسِم بن ورد يَلِي قضاءها وَتَمَادَى بِهِ ذَلِك نيفا على سِتِّينَ سنة فِي ازدياد سمو الرُّتْبَة واطراد وَتمكن الحظوة عِنْد الْمُلُوك مَعَ أَنه امتحن فِي كائنة لبلة وسجن وَقيد وَكَانَ فِي وقته فَقِيه الأندلس وحافظ الْمغرب لمَذْهَب مَالك غير مدافع وَلَا مُنَازع لَا يدانيه أحد فِي ذَلِكَ وَلَا يجاريه ويتحدث من حفظه بأَشْيَاء غَرِيبَة ونال دنيا عريضة واستفاد ثروة عَظِيمَة وَإِلَيْهِ كَانَت رياسة بَلَده والانفراد بهَا ثمَّ ورثهَا عقبَة بعده مَعَ اشْتِغَاله بالتدريس والأسماع وَإِن لم يكن الحَدِيث شَأْنه وَكَانَ فصيحا خَطِيبًا مفوها يبلغ بالبديهة مَا لَا يبلغ بالروية أَخذ عَنهُ جلة أهل الأندلس والعدوة ورحلوا إِلَيْهِ وانتفعوا بِهِ وَلم يشْتَغل بالتأليف على غزارة حفظه ومعانة مَادَّة علمه ووقفت لَهُ على مَجْمُوع فِي الزَّكَاة أملاه قَدِيما حمل عَنهُ وَسمع مِنْهُ وَتُوفِّي بإشبيلية لَيْلَة يَوْمَ الْخَمِيس الرَّابِع عَشْر من شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَهُوَ ابْن تسعين سنة وَأشهر مولده بليلة فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
178 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن وَاجِب بْن عمر بْن وَاجِب القَيْسيّ المقرىء من أَهْلَ بلنسية يكنى أَبَا عَبْد اللَّه روى عَنْ أَبِيه وَأبي الْعَبَّاس ابْن الْحَلَال وَأبي عَبْد اللَّه بْن سَعَادَة وَأبي الْحَسَن بْن النِّعْمَة وَأخذ عَنْهُ الْقرَاءَات والآداب وَقَرَأَ أَيْضا عَليّ أبي جَعْفَر طَارق بن مُوسَى بِقِرَاءَة نَافِع وَلَقي أَبَا الْحسن بن هُذَيْل فَلم يَأْخُذ عَنهُ شَيْئا وَلَقي أَبَا عَلِيّ بْن عريب وَأَبا عبد الله بن الْفرس فَأخذ عَنْهُمَا وَأخذ بَعْضًا الْقرَاءَات عَنْ أبي القَاسِم بْن وضاح وَكتب إِلَيْهِ أَبُو الْقَاسِم بن حُبَيْش وَأَبُو عبد الله بن حميد وَغَيرهمَا وَكَانَ يقرىء الْقُرْآن بِمَسْجِد ابْن حزب الله من دَاخل بلنسية ويؤم بِهِ النَّاس فِي صَلَاة الْفَرِيضَة وَكَانَ مَوْصُوفا بالإتقان والضبط والتقدم فِي ذَلِك مَعَ الصّلاح وَالْخَيْر والذكاء وَكَانَ صنع الْيَد بارع الْخط صَاحب تذهيب روى لنا عَنهُ أَبُو الْحسن بن عبد الْوَدُود