وقد سبقت حكايتنا لمذاهب عن أهل التساهل وإبطالها في ضمن ما تقدم من شرح وجوه إلاخذ والتحمل.

ومن أهل التساهل قوم سمعوا كتبا مصنفة وتهاونوا حتى إذا طعنوا في السن واحتيج إليهم حملهم الجهل والشره على أن رووها من نسخ مشتراة أو مستعارة غير مقابلة فعدهم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في طبقات المجروحين. قال: وهم يتوهمون أنهم في روايتها صادقون.

قال: وهذا مما كثر في الناس وتعاطاه قوم من أكابر العلماء والمعروفين بالصلاح.

قلت: ومن المتساهلين عبد الله بن لهيعة المصري ترك إلاحتجاج بروايته مع جلالته لتساهله. ذكر عن يحيى بن حسان: أنه رأى قوما معهم جزء سمعوه من ابن لهيعة فنظر فيه فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة فجاء إلى ابن لهيعة فأخبره بذلك. فقال: ما أصنع؟ يجيئوني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم به.

ومثل هذا واقع من شيوخ زماننا يجيء إلى أحدهم الطالب بجزء أو كتاب فيقول: هذا روايتك فيمكنه من قراءته عليه مقلدا له من غير أن يبحث بحيث يحصل له الثقة بصحة ذلك.

والصواب: ما عليه الجمهور وهو التوسط بين إلافراط والتفريط. فإذا قام الراوي في إلاخذ والتحمل بالشرط الذي تقدم شرحه وقابل كتابه وضبط سماعه على الوجه الذي سبق ذكره جازت له الرواية منه وإن أعاره وغاب عنه: إذا كان الغالب من أمره سلامته من التبديل والتغيير لا سيما إذا كان ممن لا يخفي عليه في الغالب لو غير شيء منه وبدل تغييره وتبديله وذلك لأن إلاعتماد في باب الرواية على غالب الظن فإذا حصل أجزأ ولم يشترط مزيد عليه والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015