حكمته ورحمته، فلما أوصى بهذه الخصلة جميع الأولين والآخرين من عباده واقتصر عليها، علمنا أنها الغاية التي لا متجاوز عنها، وأنه عز جل قد جمع كل محض نصح، ودلالة، وإرشاد، وتأديب، وتعليم، وتهذيب في هذه الوصية الواحدة كما يليق بحكمته ورحمته، فهي الخصلة الجامعة لخير الدنيا والآخرة، الكافية لجيمع المهمات، المبلغة إلى أعلى الدرجات. وهذا أصلٌ لا مزيد عليه، وفيه كفاية لمن أبصر النور واهتدى، وعمل واستغنى. والله وليُّ الهداية والتوفيق. ولقد أحسن القاتل:
من عرف الله فلم تغنه ... معرفة الله فذاك الشَّقي
ما يصنع العبد بعزّ الغنى ... والعزُّ كلُّ العزِّ للمتقي
[بصائر ذوي التمييز: 5/ 261].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "البرُّ والتقوى يبسط النفس، ويشرح الصدر، بحيث يجد الإنسان في نفسه اتساعاً وبسطاً عما كان عليه قبل ذلك؛ فإنه لما اتسع بالبر والتقوى والإحسان بسطه الله شرح صدره.
والفجور والبخل يقمع النفس ويعضها ويهينها، بحيث يجد البخيل في نفسه أنه ضيق.
وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في الحديث الصحيح فقال: «مثل البخيل والمتصدِّق كمثل رجلين عليها جبَّتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فجعل المتصدِّق كلما همَّ بصدقة اتسعت وانبسطت عنه، حتى تغشى