بعض الذي ينسبون إلى الإسلام يغالون في التعبد ظانين أن ذلك من التقوى، وقد غالى بعض الصحابة في ذلك، فردَّهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى جادّة الصواب، فقد ورد أن نفراً من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاؤوا إلى بيوت الرسول - صلى الله عليه وسلم - فسألوا عن عبادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا فكأنهم تقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي، وتحدثوا عن أنفسهم، فأخبر أحدهم أنه يقوم الليل ويصلي ولا ينام، وأخبر الآخر أنه يصوم الدهر، ولا يفطر، وأخبر الثالث أنه يعتزل النساء، فخطَّأهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبيَّن لهم وجه الصواب.
وروى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [البخاري: 5063].
وقد كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لا يقوم الليل كله، ولا يصوم الشهر كله، كان يقوم أدنى من ثلثي الليل، ويقوم نصفه وثلثه، {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل: 20] وكان يصوم من الشهر ويفطر، وكان يتزوج النساء، وأخبر أن الذي هو عليه هو سنّته.