فعرف حقيقة الإلهية التي يثبتها قلبه لله، ويشهد بها لسانه، وتصدِّقها جوارحه، ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله، وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات، وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعةً سالكةً سبل ربه ذللاً غير ناكبةٍ عنها، ولا باغيةٍ سواها بدلاً، كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلاً؛ فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت، وهذ الكلمة الطيبة تثمر كلماً كثيراً طيباً يقارنه عملٌ صالح فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب، كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]؛ فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملاً صالحاً كل وقت.
والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفاً بمعناها وحقيقتها نفياً وإثباتاً متَّصفاً بموجبها، قائماً قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته، فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد، أصلها ثابت راسخ في قلبه، وفروعها متصلة بالسماء، وهي مخرجة لثمرتها كل وقت [إعلام الموقعين، لابن القيم: 2/ 299 - 300].