الشَّافِعِيِّ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ حَيَاتِهِ الْمُفِيدَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ (لَا عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ بَابِ الْإِثْبَاتِ وَحَيَاتَهُ بِالِاسْتِصْحَابِ فَلَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ.
(وَلَا يُورَثُ لِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْإِرْثِ (دَفْعٌ) لِلِاسْتِحْقَاقِ فَيَثْبُتُ بِالِاسْتِصْحَابِ (وَعَلَى مَا حَقَّقْنَا عَدَمُهُ أَصْلِيٌّ) مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا وَأَنَّ الدَّفْعَ اسْتِمْرَارُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لِلْأَمْرِ الطَّارِئِ إنَّمَا لَا يُورَثُ (لِعَدَمِ سَبَبِهِ) أَيْ الْإِرْثِ (إذْ لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ) أَيْ الْمَفْقُودِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (وَلَا صُلْحَ عَلَى إنْكَارٍ) أَيْ لَا صِحَّةَ لَهُ مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (لِإِثْبَاتِ اسْتِصْحَابِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي (كَالْيَمِينِ وَصَحَّ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ فَلَا تَكُونُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي فَيَصِحُّ الصُّلْحُ (وَلَمْ تَجِبْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّفِيعِ) عَلَى الْمِلْكِ الْمَشْفُوعِ بِهِ لِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي الْمِلْكَ الْمَشْفُوعَ بِهِ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَإِنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي الظَّاهِرِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْإِلْزَامِ جَمِيعًا عِنْدَهُ (وَوَجَبَتْ) الْبَيِّنَةُ الْمَذْكُورَةُ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ هَذَا وَأَمَّا السُّبْكِيُّ فَقَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ثَمَّ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَشْخِيصِهِ فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الِاسْتِصْحَابُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ
الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ
وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمْت مَوَارِدَ اسْتَفْعَلَ فِي اللُّغَةِ.
وَعِنْدِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا فِي مُصْطَلَحِ الْأُصُولِيِّينَ الِاتِّخَاذُ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا بَابُ مَا اتَّخَذُوهُ دَلِيلًا وَالسِّرُّ فِي جَعْلِ هَذَا الْبَابِ مُتَّخَذًا دُونَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ قَامَ الْقَاطِعُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَنَازَعْ الْمُعْتَبَرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ مَنَالُهَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْ صُنْعِهِمْ لِاجْتِهَادِهِمْ بَلْ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا عُقِدَ لَهُ هَذَا الْبَابُ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ قَالَهُ كُلُّ إمَامٍ بِمُقْتَضَى تَأْدِيَةِ اجْتِهَادِهِ فَكَأَنَّهُ اتَّخَذَهُ دَلِيلًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَدَلُّ بِالِاسْتِصْحَابِ وَمَالِكُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِالِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَلِكَ دَلِيلًا كَمَا يَقُولُ يُحْتَجُّ بِكَذَا وَهَذَا مَعْنًى مَلِيحٌ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ)
مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ (هُوَ) أَيْ الِاجْتِهَادُ (لُغَةً بَذْلُ الطَّاقَةِ فِي تَحْصِيلِ ذِي كُلْفَةٍ) أَيْ مَشَقَّةٌ يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ الصَّخْرَةِ وَلَا يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ النَّوَاةِ وَالْمُرَادُ بِبَذْلِ الْوُسْعِ اسْتِفْرَاغُ الْقُوَّةُ بِحَيْثُ يَحْسُنُ الْعَجْزُ عَنْ الْمَزِيدِ (وَاصْطِلَاحًا ذَلِكَ) أَيْ بَذْلُ الطَّاقَةِ (مِنْ الْفَقِيهِ فِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ظَنِّيٍّ) فَبَذْلُ الطَّاقَةِ جِنْسٌ يَصْلُحُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى خُرُوجِ اجْتِهَادِ الْمُقَصِّرِ وَهُوَ الَّذِي يَقِفُ عَنْ الطَّلَبِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ السَّعْيِ فَإِنَّ هَذَا الِاجْتِهَادَ لَا يُعَدُّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ اجْتِهَادًا مُعْتَبَرًا وَمِنْ الْفَقِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ بَذْلِ الطَّاقَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاجْتِهَادٍ اصْطِلَاحِيٍّ. وَفِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ احْتِرَازٌ مِنْ بَذْلِهَا مِنْهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ حِسِّيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَظَنِّيٍّ قِيلَ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ وَسَيَأْتِي مَنْعُهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْأَحْكَامِ فِي الِاجْتِهَادِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَمَدَارِكِهَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ وُسْعِ الْبَشَرِ (وَنَفْيُ الْحَاجَةِ إلَى قَيْدِ الْفَقِيهِ) كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ (لِلتَّلَازُمِ بَيْنَهُ) أَيْ الْفَقِيهِ (وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ) فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فَقِيهًا إلَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفِقْهِ التَّهَيُّؤَ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ (سَهْوٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ) جِنْسًا فِي التَّعْرِيفِ إنَّمَا هُوَ (بَذْلُ الطَّاقَةِ لَا الِاجْتِهَادُ وَيُتَصَوَّرُ) بَذْلُ الطَّاقَةِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْفَقِيهِ (فِي طَلَبِ حُكْمٍ) شَرْعِيٍّ وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَقِيهٌ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ وَلَا مُجْتَهِدٌ غَيْرُ فَقِيهٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ ذُو مَلَكَةٍ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى اسْتِنْتَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ مَأْخَذِهَا. (وَشُيُوعُ الْفَقِيهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (مِمَّنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ) إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ