كُلُّ لُغَةٍ إلَى أَهْلِهَا) أَوْ يَجْرِي عَلَيْهَا صِفَةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِمْ فَيُقَالُ لُغَةُ الْعَرَبِ، وَلُغَةٌ عَرَبِيَّةٌ تَمْيِيزًا لَهَا عَمَّا سِوَاهَا.
ِّ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِمَصَالِحِهِ فِي مَعَاشِهِ مِنْ مَأْكُولٍ، وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ، وَمَا يَلْحَقُ بِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْحَاجِيَّةِ، وَفِي مَعَادِهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ الْمَعْرِفَةِ وَالْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ التَّشْرِيفِيَّةِ عَنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ الْمُوجَبَةِ لِخَيْرَيْ الدَّارَيْنِ مُفْتَقِرًا إلَى مُعَاضَدَةِ غَيْرِهِ مِنْ بَنِي نَوْعِهِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ الْمُعَاضَدَةُ لَا تَتَأَتَّى لَهُ إلَّا بِتَعْرِيفِ مَا فِي الضَّمِيرِ، وَالْوَاقِعُ إمَّا بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَحَرَكَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ أَوْ بِالْمِثَالِ، وَهُوَ الْجِرْمُ الْمَوْضُوعُ عَلَى شَكْلِ الشَّيْءِ لِيَكُونَ عَلَامَةً عَلَيْهِ وَكَانَ فِي الْمِثَالِ عُسْرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَعَ عَدَمِ عُمُومِهِ إذْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يَتَأَتَّى لَهُ مِثَالٌ، وَقَدْ يَبْقَى الْمِثَالُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَاجَةِ فَيَقِفُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُرِيدُ وُقُوفَهُ عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةُ لَا تَفِي بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا وَكَيْفَ، وَهِيَ لَا تَقَعُ إلَّا فِي الْمَحْسُوسَاتِ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهَا وَالْكِتَابَةُ فِيهَا مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، وَكَانَتْ الْأَلْفَاظُ أَيْسَرَ عَلَى الْعِبَادِ فَإِنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ تَحْدُثُ مِنْ إخْرَاجِ النَّفْسِ الضَّرُورِيِّ الْحُصُولِ لِلْإِنْسَانِ الْمُمْتَدِّ لِلطَّبِيعَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا تَكَلُّفٍ مَعَ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ تُوجَدُ مَعَ وُجُودِهَا وَتَنْقَضِي مَعَ انْقِضَائِهَا، وَأَعَمَّ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا صَالِحَةٌ لِلتَّعْبِيرِ بِهَا عَنْ كُلِّ مُرَادٍ حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ مَعْدُومٍ أَوْ مَوْجُودٍ مَعْقُولٍ أَوْ مَحْسُوسٍ قَدِيمٍ أَوْ حَادِثٍ كَانَ الشَّأْنُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْ لُطْفِهِ الظَّاهِرِ تَعَالَى، وَقُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ) أَيْ، وَمِنْ إفَاضَةِ الْإِحْسَانِ بِرِفْقٍ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ عِنْدَ أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ، وَآثَارُ صِفَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْمَقْدُورَاتِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا الْغَالِبَةِ لِعُقُولِ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ لِشُمُولِهَا كُلَّ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى سَائِرِ الْوُجُوهِ مِنْ النُّعُوتِ وَالصِّفَاتِ (الْإِقْدَارُ عَلَيْهَا) أَيْ إعْطَاؤُهُ تَعَالَى إيَّاهُمْ الْقُدْرَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ السَّهْلَةِ الْحُصُولِ عَلَيْهِمْ مَتَى شَأَوْا (وَالْهِدَايَةُ لِلدَّلَالَةِ بِهَا) أَيْ، وَهِدَايَتُهُمْ؛ لَأَنْ يُعْلِمُوا غَيْرَهُمْ بِهَا مَا فِي ضَمَائِرِهِمْ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ مَتَى أَرَادُوا ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ الْإِقْدَارُ تَرْجِعُ إلَى الْقُدْرَةِ، وَالْهِدَايَةُ إلَى اللُّطْفِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ (فَخَفَّتْ الْمُؤْنَةُ) بِهَذَا الطَّرِيقِ مِنْ التَّعْرِيفِ لِيُسْرِهِ وَسُهُولَتِهِ (وَعَمَّتْ الْفَائِدَةُ) لِشُمُولِهِ، وَإِحَاطَتِهِ وَوَضْعُ الضَّمِيرِ مَوْضِعِ الظَّاهِرِ فِي قَوْلِهِ، وَمِنْ لُطْفِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَزِيَادَةِ وُضُوحِهِ أَوْ لِأَنَّهُ بَلَغَ مِنْ عِظَمِ الشَّأْنِ إلَى أَنْ صَارَ مُتَعَقِّلَ الْأَذْهَانِ.
الْمَقَامُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ الْوَاضِعِ، وَفِيهِ مَذَاهِبُ. أَحَدُهَا: وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَنَسَبَهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُ وَقَفَ الْعِبَادَ عَلَيْهَا بِوَحْيِهِ إلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ بِخَلْقِهِ الْأَلْفَاظَ الْمَوْضُوعَةَ فِي جِسْمٍ ثُمَّ إسْمَاعِهِ إيَّاهَا لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ إسْمَاعَ قَاصِدٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعَانِي أَوْ بِخَلْقِهِ تَعَالَى الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ لَهُمْ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّةَ يُعْرَفُ هَذَا بِالْمَذْهَبِ التَّوْقِيفِيِّ وَلَمَّا كَانَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ بَعْضُ تَفْصِيلٍ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْوَاضِعُ لِلْأَجْنَاسِ) أَسْمَاءً، وَأَعْلَامًا لِلْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي مُقْتَرِنَةً بِزَمَانٍ وَغَيْرِ مُقْتَرِنَةٍ بِهِ (أَوَّلًا اللَّهُ سُبْحَانَهُ) هَذَا (قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ) ، وَقَالَ لِلْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ وَاضِعَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ السَّمْعِ وَالْأَعْلَامِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَبَعْضِ الْأَعْلَامِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ سَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَارَدَ عَلَى بَعْضِهَا وَضْعَانِ لِلَّهِ أَوَّلًا وَلِلْعِبَادِ ثَانِيًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا (وَلَا شَكَّ فِي أَوْضَاعٍ أُخَرَ لِلْخَلْقِ عِلْمِيَّةٍ شَخْصِيَّةٍ) حَادِثَةٍ بِإِحْدَاثِهِمْ إيَّاهَا، وَمُوَاضَعَتِهِمْ عَلَيْهَا لَمَّا يَأْلَفُونَ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَكَيْفَ لَا، وَالْوِجْدَانُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ بَلْ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: إنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَا تَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ وَلَا بِمُوَاضَعَاتِ أَهْلِهَا وَاصْطِلَاحِهِمْ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَبْتَدِئَ فَيُسَمِّي نَفْسَهُ، وَفَرَسَهُ وَغُلَامَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا غَيْرَ مَحْظُورٍ عَنْ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالشَّخْصِيَّةِ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِلْعِلْمِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ (وَغَيْرِهَا) أَيْ وَغَيْرِ هَذِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَأَعْلَامِهَا (جَائِزٌ) أَنْ يَتَوَارَدَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَضْعَانِ سَابِقٌ لِلْحَقِّ وَلَا حَقٌّ لِلْخَلْقِ بِأَنْ يَضَعَ الْبَارِي تَعَالَى اسْمًا مِنْهَا لِمَعْنًى ثُمَّ يَضَعَهُ الْخَلْقُ لِآخَرِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ