(كَحُرِّيَّةِ) مُغِيثٍ (زَوْجِ بَرِيرَةَ؛ لِأَنَّ عَبْدِيَّتَهُ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَالْإِخْبَارُ بِهَا) أَيْ بِعَبْدِيَّتِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَهَا وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا» (بِالْأَصْلِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ فَهَذَا نَفْيٌ لَا يُدْرَكُ عِيَانًا بَلْ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْ ثُبُوتِهَا وَالْإِخْبَارُ بِحُرِّيَّتِهِ كَمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ إثْبَاتًا لِأَمْرٍ عَارِضٍ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ أَوَّلًا مِنْ الرَّقَبَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ لَيْسَتْ فِي النَّفْيِ الْمَذْكُورِ فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْعِتْقِ لَهَا عَبْدًا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ حُرًّا خِلَافًا لَهُمْ فِيمَا إذَا كَانَ حُرًّا (فَإِنْ) كَانَ النَّفْيُ (مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ عَارَضَهُ) أَيْ الْإِثْبَاتُ لِتَسَاوِيهِمَا (وَطَلَبَ التَّرْجِيحَ) لِأَحَدِهِمَا بِوَجْهٍ آخَرَ (كَالْإِحْرَامِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) أَيْ مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرَفٍ»
وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «تَزَوَّجَ نَبِيُّ اللَّهِ مَيْمُونَةَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ» فَإِنَّهُ (نَفْيٌ لِأَمْرٍ) عَارِضٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْحِلُّ (يَدُلُّ عَلَيْهِ هَيْئَةٌ مَحْسُوسَةٌ) مِنْ التَّجَرُّدِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ (فَسَاوَى رِوَايَةَ) مُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَهْ «عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ» وَزَادَ فِيهِ أَبُو يَعْلَى «بَعْدَ أَنْ رَجَعْنَا مِنْ مَكَّةَ» رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ «عَنْ أَبِي رَافِعٍ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» . (وَرُجِّحَ نَفْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى) إثْبَاتِ (ابْنِ الْأَصَمِّ وَأَبِي رَافِعٍ) بِقُوَّةِ السَّنَدِ وَخُصُوصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ فَقَدْ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مَطَرٍ يَعْنِي عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمَاتَ أَبُو رَافِعٍ قَبْلَ عُثْمَانَ بِسَنَتَيْنِ وَكَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَلَّامِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ مَوْصُولًا لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي إسْنَادِهِ فَقَالَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَهَمَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» انْتَهَى.
وَمَطَرٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بَلْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ عِنْدَهُمْ وَبِضَبْطِ الرُّوَاةِ وَفِقْهِهِمْ وَخُصُوصًا ابْنُ عَبَّاسٍ إذْ نَاهِيكَ بِهِ فَقَاهَةً وَضَبْطًا وَاتِّفَاقًا وَلِذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى سَاقَهُ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَهْلُ عِلْمٍ وَثَبْتٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ فُقَهَاءُ وَاَلَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِرِوَايَاتِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِلِّ اللَّاحِقِ) لِلْإِحْرَامِ (وَأَمَّا عَلَى إرَادَةِ) الْحِلِّ (السَّابِقِ) عَلَى الْإِحْرَامِ (كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ) أَيْ مَا فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» وَفِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ (فَابْنُ عَبَّاسٍ مُثْبِتٌ وَيَزِيدُ) بْنُ الْأَصَمِّ (نَافٍ فَيَتَرَجَّحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (بِذَاتِ الْمَتْنِ) لِتَرْجِيحِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي (وَلَوْ عَارَضَهُ) أَيْ نَفْيٌ يُرِيدَ إثْبَاتَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِكَوْنِ نَفْيِ يَزِيدَ مِمَّا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْحِلِّ تُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ أَيْضًا وَهُوَ هَيْئَةُ الْحَلَالِ (فِيمَا قُلْنَا) أَيْ فَالتَّرْجِيحُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُلْنَا مِنْ قُوَّةِ السَّنَدِ وَفِقْهِ الرَّاوِي وَمَزِيدِ ضَبْطِهِ
فَتَرَجَّحَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِ عَقْدِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ (وَعُرِفَ) مِنْ هَذَا (أَنَّ النَّافِيَ رَاوِي الْأَصْلِ) أَيْ الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُثْبِتِ كَمَا أَنَّ الْمُثْبِتَ هُوَ الرَّاوِي الْحَالَةَ الْعَارِضَةَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ (فَإِنْ أَمْكَنَا) أَيْ كَوْنُ النَّفْيِ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ وَكَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ (كَحِلِّ الطَّعَامِ وَطَهَارَةِ الْمَاءِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (نَفْيٌ يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ) بِأَنْ