أَشَرْنَا إلَيْهِ صَدْرَ الْمَسْأَلَةِ وَوَافَقَ الْقَرَافِيُّ عَلَى هَذَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأُصُولُ وَمَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَمَّا قَبْلَهَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْفُرُوعُ فَالصَّوَابُ كَسْرُ الْبَاءِ وَيُعْرَفُ تَوْجِيهُهُ فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ لَهُ وَدَفْعِهِ مِمَّا سَلَفَ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ ذَاكَ وَيُتَأَمَّلْ مَا هُنَا
(مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ كَالْكِتَابِ) أَيْ كَتَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ (عَلَى الْخِلَافِ) فِي الْجَوَازِ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَشُذُوذٍ ثُمَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مَوْصُولًا بِالْعَامِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ يَشْتَرِطُ وَبَعْضُهُمْ كَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (قَالُوا) أَيْ الْجُمْهُورُ (خَصَّ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (بِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي (تَامٌّ عَلَى) قَوْلِ (الشَّافِعِيَّةِ) وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَشْرِطُوا الْمُقَارَنَةَ وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ تَقْدِيمَ الْخَاصِّ مُطْلَقًا (لَا) عَلَى قَوْلِ (أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذْ لَمْ تَثْبُتْ مُقَارَنَتُهُ) أَيْ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ (وَلَا تَأْخِيرُهُ لِيُخَصَّ) عَلَى تَقْدِيرِ مُقَارَنَتِهِ (وَيُنْسَخَ) عَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ (فَتَعَارَضَا) أَيْ الْحَدِيثَانِ فِي الْإِيجَابِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَدَّمَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثَّانِيَ بِمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ فَإِنَّ وَجْهَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَصْلِ الْمَذْهَبِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ (وَقَدَّمَ) أَبُو حَنِيفَةَ (الْعَامَّ) أَيْ الْأَوَّلَ (احْتِيَاطًا) لِتَقَدُّمِ الْمُوجِبِ عَلَى الْمُبِيحِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَرْوِيَّهُمَا عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالُوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهَا بَلْ نَقَلَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي مَبْسُوطِ أَحْمَدَ الطَّوَاوِيسِيِّ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْأَصْلَ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ عَمِلَ بِالْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ فَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» وَعُمَرُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَاهُمْ»
(مَسْأَلَةٌ أَلْحَقَ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَرْدَعِيُّ وفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ) وَالسَّرَخْسِيُّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ (قَوْلَ الصَّحَابِيِّ) الْمُجْتَهِدِ (فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ بِالسُّنَّةِ) لِغَيْرِ الصَّحَابِيِّ (لَا لِمِثْلِهِ) أَيْ صَحَابِيٍّ آخَرَ (فَيَجِبُ) عَلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ (تَقْلِيدُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (وَنَفَاهُ) أَيْ إلْحَاقَ قَوْلِهِ بِالسُّنَّةِ (الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ (كَالشَّافِعِيِّ) فِي الْجَدِيدِ (وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا يَجْرِي فِيهِ) أَيْ قَوْلِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ (بَيْنَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْفُوعِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ بِالرَّأْيِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْجَدِيدِ عَلَى مَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ عَنْ وَالِدِهِ (وَتَحْرِيرُهُ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (فِيمَا) يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لَكِنْ (لَا يَلْزَمُهُ الشُّهْرَةُ) بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ (مِمَّا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ) فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ ظَهَرَ نَقْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّابِعِينَ (وَمَا يَلْزَمُهُ) الشُّهْرَةُ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَاشْتُهِرَ بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافٌ مِنْ غَيْرِهِ (فَهُوَ إجْمَاعٌ كَالسُّكُوتِيِّ حُكْمًا لِشُهْرَتِهِ) أَيْ بِسَبَبِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا (وَفِي اخْتِلَافِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ (التَّرْجِيحِ) بِزِيَادَةِ قُوَّةٍ لِأَحَدِ الْأَقَاوِيلِ إنْ أَمْكَنَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) التَّرْجِيحُ (عُمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ) بَعْدَ أَنْ يَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ بِأَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْآخَرِ بِلَا دَلِيلٍ (لَا يُطْلَبُ تَارِيخٌ) بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ لِيَجْعَلَ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ كَمَا يَفْعَلُ فِي النَّصَّيْنِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا وَلَمْ يَتَحَاجُّوا بِالسَّمَاعِ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ لَا سَمَاعٍ فَكَانَا (كَالْقِيَاسَيْنِ) تَعَارَضَا (بِلَا تَرْجِيحٍ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَيْثُ يَكُونُ هَذَا حُكْمَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُو أَقْوَالَهُمْ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِالرَّأْيِ قَوْلًا خَارِجًا عَنْهَا
(وَاخْتَلَفَ عَمَلُ أَئِمَّتِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَنْهُمْ مَذْهَبٌ فِيهَا وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا عَنْهُمْ رِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ (فَلَمْ يَشْرِطَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْمُشَاهَدِ) أَيْ