الْمَعَانِي فَهِيَ فِي تَخَاطُبِهِمْ تَدُلُّ عَلَيْهَا بِلَا قَرِينَةٍ وَأَمَّا الشَّارِعُ فَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيهَا مَجَازًا عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ فَلَا تُحْمَلُ عَلَيْهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ (أَوْ) حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ (بِوَضْعِ الشَّارِعِ) حَتَّى أَنَّهَا فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ تَدُلُّ عَلَيْهَا بِلَا قَرِينَةٍ (فَالْجُمْهُورُ) الْوَاقِعُ (الثَّانِي) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الثَّانِي (يُحْمَلُ كَلَامُهُ) أَيْ الشَّارِعُ.
وَكَلَامُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَمَنْ يُخَاطَبُ بِاصْطِلَاحِهِمْ أَيْضًا إذَا وَقَعَتْ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرَائِنِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَمِنْهُمْ (وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ) الْوَاقِعُ (الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ لِلْمُتَشَرِّعَةِ لَا لِلشَّارِعِ (فَعَلَى اللُّغَوِيِّ) يُحْمَلُ إذَا وَقَعَتْ فِي كَلَامِهِ مُحْتَمِلَةً لِلُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ لِزَعْمِهِ أَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ عَلَى مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَسَيَأْتِي مَا يُوَافِقُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ كَمَا يُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَأَشَارَ هُنَا إلَى إنْكَارِهِ بِقَوْلِهِ (وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَوْنَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلَةً (لِلْأَفْعَالِ) الْمَعْلُومَةِ شَرْعًا (فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ وَأَشْهَرُ) أَيْ وَإِنَّهُ مَجَازٌ أَشْهَرُ مِنْ الْحَقِيقَةِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: إذْ لَا شَكَّ فِي اشْتِهَارِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي الْمَعَانِي الْخَاصَّةِ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَجَازَاتٍ حِينَ ابْتِدَاءِ اسْتِعْمَالِهَا لَكِنَّهَا صَارَتْ فِيهَا أَشْهُرُ مِنْهَا فِي الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ (وَهُمْ) أَيْ الْقَاضِي وَالْجُمْهُورُ (يُقَدِّمُونَهُ) أَيْ الْمَجَازَ الْأَشْهَرَ مِنْ الْحَقِيقَةِ (عَلَى الْحَقِيقَةِ) فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللُّغَوِيِّ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ إذَا وَقَعَ فِي لَفْظِهِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَتَرَتَّبُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اللُّغَوِيِّ عَلَى كَوْنِهَا مَجَازَاتٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ؟ قُلْت: لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَجَازَاتٍ لَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَهَا فِي اسْتِعْمَالِهِ وَالْفَرْضُ أَنْ لَا نَقْلَ لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَحُكِمَ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا حَقَائِقَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي الْمَعَانِي الْخَاصَّةِ لَزِمَ كَوْنُهَا مَجَازًا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا وَأُنْكِرَ كَوْنُ قَوْلِ الْقَاضِي إنَّ الشَّارِعَ اسْتَعْمَلَهَا فِي حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ لِاسْتِبْعَادِ أَنْ يَقُولَ عَالِمٌ إنَّ قَوْله تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] مَعْنَاهُ أَقِيمُوا الدُّعَاءَ.
ثُمَّ شَرَطَ فِيهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي هِيَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَتَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الصَّلَاةِ شَرْطًا كَالْوُضُوءِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ هَذَا عَنْهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَحْصُولِ وَحَكَمَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِنَفْيِهِ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِدْلَالُ الْآتِي الْمُتَضَمِّنُ كَوْنَهَا فِي الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالزِّيَادَاتِ شُرُوطٌ مِنْ الْتِزَامِ النَّافِينَ عَنْهُ وَأَيْضًا (فَمَا قِيلَ) أَيْ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ (الْحَقُّ أَنَّهَا مَجَازَاتٌ) لُغَوِيَّةٌ (اُشْتُهِرَتْ يَعْنِي فِي لَفْظِ الشَّارِعِ) لَا مَوْضُوعَاتٌ مُبْتَدَأَةٌ لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ (مَذْهَبُ الْقَاضِي) بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الِاشْتِهَارِ بَعْدَ تَجَوُّزِ الشَّارِعِ بِاللَّفْظِ (وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ) وِفَاقًا لِأَخِيهِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ (بِأَنَّهَا أَيْ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِلدُّعَاءِ سَمَّى بِهَا عِبَادَةً مَعْلُومَةً لِمَا أَنَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (شُرِعَتْ لِلذِّكْرِ) أَيْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِنُعُوتِ جَلَالِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ قَالَ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] .
قِيلَ: أَيْ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ فِي أَرْكَانِهَا فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ وَكُلُّ دُعَاءٍ ذِكْرٌ لِأَنَّ الدُّعَاءَ ذِكْرُ الْمَدْعُوِّ لِطَلَبِ أَمْرٍ مِنْهُ فَسُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ الْمَعْلُومَةُ بِهَا مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ (يُرِيدُ مَجَازًا لُغَوِيًّا هُجِرَتْ حَقَائِقُهَا أَيْ مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةُ لُغَةً فَلَيْسَ) قَوْلُهُ (مَذْهَبًا آخَرَ) غَيْرَ الْمَذْهَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (كَالْبَدِيعِ) أَيْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَدِيعِ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شَارِحِي الْبَزْدَوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ صَيَّرَتْهَا كَالْحَقَائِقِ لَا أَنَّهَا حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ (لَنَا) عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِوَضْعِ الشَّارِعِ (الْقَطْعُ بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ حُدُوثِ الِاصْطِلَاحَاتِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ ظَرْفٌ لِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَفْعُولُهُ (ذَلِكَ) أَيْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ لَهَا (وَهُوَ) أَيْ فَهْمُهُمْ ذَلِكَ (فَرَّعَهُ) أَيْ فَرَّعَ الْوَضْعَ لَهَا (نَعَمْ لَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ نَصْبِ قَرِينَةِ النَّقْلِ) دَفْعًا لِتَبَادُرِ اللُّغَوِيِّ (فَمَدَارُ التَّوْجِيهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَزِمَ تَقْدِيرُ قَرِينَةِ غَيْرِ اللُّغَوِيِّ فَهَلْ الْأَوْلَى تَقْدِيرُهَا